*الرجوع والعودة في الاغاني السودانيه ( 8-10)* *(زمن الغربة والارتحال)*

الان اعداد مهولة من اهل السودان و سكانه بالملايين يعيشون في (اللامكان بزمن الغربة والارتحال) في احوال يرثي لها بعضهم قضي علي كل ما يملكه من مال ومنهم من ينتظر …
في مرة من (المرارات) والمرات نصحت احد الاخوان عندما رايت طريقة تعامله في المصاريف اليومية (غير منضبط) ان يقلل من هذا الصرف الذي اعتبرته بذخي وقلت له لو كان لديك مال قارون ربما تقضي عليه سنوات الحرب الممتدة فغضب مني لانه امر خاص ما كان لي ان اتدخل ( هو محق) لكن (نسوي شنو مع قليبنا) وخوفنا علي عموم اهل السودان…
(موضوع البذخ في الحرب ربما نتطرق له في سلسة حكايات واقعية)
كنت قد كتبت من قبل توقعاتي عن هذه الحرب بانها ربما تنتهي هذه الاحوال والصراعات في عام 2029 فوجد ماكتبته سخطاً وغضباً شديداً من البعض وكانت الحرب في عامها الاول في ذلك الوقت وها هي الان في عامها الثالث و مازالت نيرانها مشتعلة..
وتوقعاتي تلك لم تكن مبنية علي معلومات او احصاءات او تحليل منطقي لكني حسبت انها فترة من حياة اهل السودان اشبه بفترة (التيه) التي عاشها بنو اسرائيل بدأت في 1989 و سوف تكمل دورة (الاربعبن) عاماً في 2029 فقط لتذكري قوله تعالي:-
(قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)
ولا ادري لماذا ربطت بين الاية و احوالنا في كل السنوات الفائتة وحتي يومنا هذا…….لا ادري
ايضاً لفت انتباهي قوله تعالي في تقسيم الاربعين الي ثلاثين و عشرة:-
( وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)
و كل المذكور اعلاه ليس له علاقة علمية او تاريخية او تبيان للايات انما هي مجرد خاطرة طافت بذهني وتذكرت هذه الايات وغيرها مما وردت به مفردة (الاربعون)…
وكنت فقط مستأنساً بتلك الايات القرانية (عشان مايجئ زول ينظر)
نعود للقامة الادبية الافريقية الفيتوري الذي اتسمت حياته بالتنقل من غصن لغصن و كأنه طائر مغرد مما اضاف إليه كثير من المعرفة والحب والاختلاط بالشعوب والاجناس المختلفة …
و رغم كل هذا التنقل كان يحمل وطنه بالدواخل و كان له اكثر من (وطن) إلا ان (فداً لك العمر) كانت للسودان رغم ان اغلب عمره كان خارج السودان و جسده لم يرتبط بهذه الجغرافيا خلال حياته طويلاً بالنسبة لسنين عمره في هذه الدنيا والعجيب ان ذات الجسد بعد رحيله ايضاً دفن خارج السودان لانه كان مؤمناً بأن (ارض الله واسعة) تسعه وتسعنا و تسع غيرنا احياءً وامواتاً وكل ذلك بضوابط وانظمة وقوانين ثم نصيبنا في النهاية كما يقول اهلنا (شبر)…
فتغني الفيتوري رحمه الله:-
*في زمن الغربة والإرتحال* *تأخذني منك وتعدو الظلال*
*وأنت عشقي حيث لا عشق يا سودان*
*إلاّ النسور الجبال يا شرفة التاريخ*
*يا راية منسوجةً من شموخ النساء وكبرياء الرجال*
وهي اغنية وطنية صدح بها الراحل محمد وردي فسكنت وجدان هذا الشعب (الطيب المسكين) والقوي الانفعالي…
*فداً لعينيك الدماء*
*التي خطّت على الأرض*
*سطور النضال*
*داست على جلاّدها*
*وهي في سجونه*
*واستشهدت بجلال*
كنت اود ان اجمع في هذا المقال مقارنة مع اغنية اخري لمحمد وردي ايضاً و هي اغنية للشاعر التجاني سعيد وقصة عاطفية نحو الوطن (المحبوبة الانثي) لكنها مرتبطة بالجغرافيا وهجرها و المحصلة النهائية في الاغنية كانت ان كل جغرافيا الكون ما كانت إلا منافي في اغنية (ارحل) لكني فضلت الاشارة اليها ولبعض مقاطعها واترك المقاربات والمقارنات في تعقيدات المشاعر الانسانية تجاه الاشياء والاحياء وحبها وبغضها وتناقضاتها للقارئ الكريم :-
*قلت أرحل ..*
*أسوق خطواتي من زولاً نسى الإلفة*
*أهوًم ليل…..أساهر ليل*
*أتوه من مرفأ لي مرفأ*
*ابدل ريد بعد ريدك*
*عشان يمكن يكون اوفي*
*رحلت وجيت…*
*في بعدك لقيت…*
*كل الأرض منفى*
وختاماً عزيزى القارئ الكريم و نحن في حيرة مابين المنافي و أمل العودة اودعك علي امل اللقاء فكن مع تاملات هذه النصوص علها تؤنسك في (اللامكان بزمن الغربة والارتحال)
سلام
محمد طلب