محمد طلب يكتب : *الرجوع والعودة في الاغاني السودانية (6-10)…. (إمتي ارجع لي ام در و اعوده)*

هذه الاغنية التي وضعتها عنواناً جانبياً ومدخلاً لهذه الحلقة و إستخدام الشاعر عمر البنا لمفردة (إمتي) وهي مفردة غير مستخدمة في حياة اهل السودان بالمرة ، ولذات الاستفهام عن الوقت يستخدمون مفردة (متين) الغارقة في المحلية ا و كثيرة الاستخدام في الحياة العامة وفي الشعر والادب بالسودان وقد تطرقنا في حلقة سابقة لاغنية عثمان اليمني رحمه الله (متين نرجع للبلد طولنا) وتجدها في ادب المديح (متين ازورك ويغمرني نورك) وفي غزليات وامنيات الاغنيات (متين ياربي تاني تلمنا) وغالباً تجدها مفردة مرتبطة بالامنيات واستعجال القادم الجميل واللقيا ، و هنا لا اريد الخوض في دواعي استخدام الشاعر المجيد عمر البنا هذه المفردة في بناء قصيدته التي كانت اكثر من رائعة في هذه الاغنية (اي مفردة إمتي) و لكن ربما يقودنا شوق الشاعر لامدرمان المكان والحبيبة الي مفهوم الوطن وفلسفته
مفهوم الوطن وفلسفته التي يمكن أن يختلف تبعاً للسياق الثقافي والاجتماعي والفلسفي، مثلاً الوطن قد يعني (الانتماء و الهوية) حيث يشعر الأفراد بالانتماء إلى مجتمع معين وتاريخ مشترك.
ايضاً يمكن أن يُفهم الوطن على أنه التراب أو الأرض التي ينتمي إليها الفرد و ولدفيها وعاش تفاصيلها، وتشمل مفاهيم الوطنية والولاء لهذا التراب.
و كذلك الوطن يحمل تاريخًا وذاكرة مشتركة بين أفراده، وهذه الذاكرة تلعب دورًا هامًا في تشكيل الهوية الوطنية.
و مفهوم الوطن يرتبط بالحقوق والواجبات المتبادلة بين الأفراد والدولة، حيث يتوقع من الأفراد الولاء والمساهمة في بناء الوطن.
كما يمكن أن يكون مفهوم الوطن متأثرًا بالانفتاح على العالم الخارجي أو الانغلاق على الذات، وهذا يعكس التوترات بين القومية والعالمية.
في العصر الحديث اصبح مفهوم الوطن أكثر تعقيدًا مع ازدياد التعددية الثقافية والتنوع داخل المجتمعات، مما يطرح تحديات حول كيفية تعريف الانتماء الوطني. وربما هذا به شئ من المعاناة الحالية بالسودان
هذه نقاط يمكن أن تساعد في فهمنا لمفهوم الوطن وفلسفته، ويمكن أن تختلف التفاصيل
نعود لاغنية عمر البنا التي ساقتنا مفردة(إمتي) بها لكل المذكور اعلاه فلا شك انها كانت من تاثير قوم اخرين ربما وجدوا في نفس الجغرافيا الامدرمانية و عمرالبنا نفسه جدوده من جغرافيا اخري لكنهم و احفادهم الان من الاسر الامدرمانية الاصيلة بل ان هناك حي من احياء ام در العتيقة اسمه( ود البنا) و هذا يعني ان هناك ظروف معينة تخلق اوطان جديدة وما سميت ام درمان ( العاصمة الوطنية) إلا لأنها استطاعت ان تخلق خليط متجانس من كل قبائل السودان وهذا مما بحسب للامام المهدي وفعله الوحدوي غير المسبوق كما نتمني ان تخلق هذه الحرب فعل لاحق يشبه مافعله المهدي في توحيد معظم قبائل السودان
عمر البنا في اغنيته (امتي اعود) وهو استفهام لغرض التمني ترنم فيها قائلاً:-
*ابواب لقاها ام خدود مصودة*
*ونار العذاب في الفؤاد محصودة*
*هناي ومنية روحي ومقصودا*
*اشوف رشيم يضوي بين فصودا*
وهذا يعني ان هناك موانع حالت دون كل المذكور وهي وجوده في مكان ما غير مكان المحبوب لسبب ما بدليل( إمتي ارجع)
وهو يتمني زوال هذه الموانع و(الحل) لمن يسأل عن الحل في ظروفنا الراهنة هو زوال موانع العودة وعلي المسؤول تحمل هذه المهمة تماماً بكامل تفاصيلها ويكفينا ما عانيناه
طبعاً الكلام في الاغنية للحبيبة الانثي لكن الشاعر ربط بينها وبين (المكان) الوطن متمثلاً في ام درمان فكما اسلفنا ان فلسفة الوطن ترتبط بالذكريات والاحباب..
وما يلفت النظر في اغنية عمر البنا تكرار مفردة (إمتي) الغير موجودة في الاغنية السودانية بالمطلق تقريباً
*امتى ارجع لى ام در واعوده*
*اشوف نعيم دنيتي وسعوده*
*امتى ارجع لى ام در واعوده*
*امتى تلمع بروق رعوده*
*حظوظي تنجز لوعوده*
*روحي ضاعت فى النار قعوده*
*لى هون يا ربي عوده*
واضح ان نيران الشوق الي ام در والاحباب كانت مستعرة جداً وفي ذات الوقت ينتظر برق يلمع للعودة وانجاز الوعود والدعاء و هي ذات حالة الإنتظار التي نمر بها الان في مهاجرنا القسرية ننتظر الفجر القادم ان شاء الله..
اخيراً مجموع هذه السلسلة من المقالات حتي الان وجد ردود فعل متباينة لانها تقف ضد امر العودة (المجهجهة) و استغلالها السياسي البغيض وموقفي اغضب البعض وراسلوني مستنكرين فذكروني اغنية ود الرضي (متي مزاري) المرتبطة بموضوع الفراق والشوق والتي استخدمت ايضاً مفردة (متي) الاستفهامية الموحية بالانتظار العنيد
*أشــهى والآمال يفرحوني* *وجيراني عسى يلمحـوني* *ديمة غارق في بحور محوني*
*مالي إلا سجعي ولحوني*
*(صرت أبغض من ينصحوني)*
*وأصنع الأقوال اللحوني*
*يا حبيبي الآلام محوني*
*هل تجامل ترسل لي طيف*
و اقول لهم لن نتوقف عن رفضنا للعودة (المجهحهة) و ان ابغضونا مثلما ابغض ود الرضي رحمه الله من نصحه من الناصحين
سلام
محمد طلب