ظل الجناح/ بين ذاكرة الرعب وأمل العودة

ظل الجناح
بين ذاكرة الرعب وأمل العودة
كتب : عماد حسن
■ في قلب الأزمة، يبرز سؤال مصيري يواجه حكومة الولاية : كيف نُعيد سكان ولاية الخرطوم إلى بيوتهم بعد تحريرها؟
سؤالٌ يبدو بسيطًا، لكنه في الحقيقة يختبرنا جميعًا، كدولة ومجتمع ومؤسسات، حول قدرتنا على بناء وطن لا مجرد إعادة سكان إلى أطلال.

■ العودة الطوعية لسكان الخرطوم ليست خطوة أمنية فقط، ولا تُختزل في إخراج المسلحين من الأحياء والشوارع. هي أكبر من ذلك بكثير. إنها ترتبط بما يمكن أن نُسميه “عقدًا جديدًا” بين المواطن والدولة: عقد نفسي، اجتماعي، اقتصادي، يفتح بابًا لحياة مدنية كريمة، بعد زمنٍ طويل من الرعب والانهيار.

■ ففي ظل ما عاشه المواطنون من فوضى، قصف، تشريد، وانهيار خدمات، لم تعد الخرطوم تُرى كعاصمة، بل كفخٍّ مرعبٍ يُخيف حتى من حلم العودة إليها. من هنا، فإن المطلوب ليس فقط “إخلاء الخرطوم من الخطر”، بل تحويلها إلى “رمز للأمل” بدل أن تبقى “ذاكرة للرعب”.

■ العودة الطوعية ليست مجرّد “رغبة شخصية” لعائلة أو فرد؛ إنها حالة عامة تصنعها الدولة من خلال الثقة والمناخ الإيجابي والسياسات العامة.
حين يرى المواطن أن هناك مستقبلًا، وخدمات، وأمنًا حقيقيًا، حينها فقط سيعود بأمان لا بجسد متوجس، وبروح راغبة لا مجبرة.

■ لا يمكن معالجة هذا الملف بأدوات بيروقراطية معتادة. الخرطوم تحتاج إلى هيئة وطنية خاصة، مستقلة، بكفاءات حقيقية وميزانية مخصصة، يمكن ان تطلق عليها اسم : “الهيئة الوطنية لإعادة بناء الخرطوم”مهام هذه الهيئة تتجاوز إعادة البنية التحتية فقط، بل تشمل:
□ وضع رؤية عمرانية واجتماعية جديدة للعاصمة.
□ خلق فرص عمل في مشاريع إعادة الإعمار.
□ تقديم دعم نفسي واجتماعي للعائدين.
□ تحفيز العودة من خلال حوافز ملموسة.

■ الخرطوم اليوم أمام فرصة تاريخية لتُعيد تشكيل نفسها، كما فعلت مدن عديدة بعد الحروب: بيروت بعد الحرب الأهلية، كيغالي بعد الإبادة، ومؤخراً الموصل بعد داعش.
في كل هذه التجارب، لم تكن العودة مجرد “سكن”، بل كانت ولادة جديدة للمدينة وهويتها.

■ إذا أرادت الحكومة حقًا أن تعيد الحياة للخرطوم، فعليها أن تعيد بناء الإنسان والشارع معًا.
ولتعلم أن المواطن سيعود فقط عندما يرى “دولة جديدة” في ملامح الأحياء، في المدرسة، في المستشفى، في حافلة النقل، في الوجوه.
العودة الطوعية مشروع وطني قبل أن تكون قرارًا فرديًا.
■ فقط عندما يشعر المواطن أن الخرطوم لم تعد ذاكرة ألم، بل مساحة أمل، سيعود لا بجسده فقط، بل بأحلامه، وإرادته، وروحه.

● هل نملك الشجاعة لنصنع هذا التحول؟
● السؤال ليس للسلطة وحدها، بل لنا جميعًا.