ظل الجناح / كتب : عماد حسن السودان.. على الهامش أم في قلب الصفقة؟

ظل الجناح / كتب : عماد حسن

السودان.. على الهامش أم في قلب الصفقة؟

بينما تتركز أنظار العالم على الصراع المحتدم بين إسرائيل وإيران، والتهديدات النووية المتبادلة، يمرّ السودان في واحدة من أعنف فصول تاريخه الحديث دون أن يحظى بالاهتمام الإعلامي والسياسي الذي يستحقه. لكن الغياب في التغطية لا يعني الغياب عن المعادلة. على العكس، السودان قد يكون في قلب صفقة كبرى تُدار في الخفاء، وتُرسم فيها ملامح النظام الإقليمي الجديد على حساب الخرطوم وأهلها.

■ صفقة غير معلنة… أم إهمال مقصود؟
منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لوحظ صمت أمريكي متعمّد، وتحفّظ واضح في مواقف الدول الغربية. لم يُفرض حظر جوي، ولم تُعقد مؤتمرات دولية ملزمة، ولم تُمارس ضغوط حقيقية على الأطراف المتحاربة. هذا التجاهل يفتح الباب واسعًا لتساؤل خطير: هل تمّ التضحية بالسودان كجزء من ترتيبات إقليمية أكبر؟

التحليل الواقعي يشير إلى أن الخرطوم، بموقعها الجغرافي الإستراتيجي، لا يمكن أن تكون خارج حسابات اللاعبين الكبار. فهي تطل على البحر الأحمر، وتقع في نقطة تقاطع نفوذ بين مصر، ليبيا، إثيوبيا، وجنوب السودان. إنها باختصار “عقدة مفاتيح” القرن الأفريقي.

■إسرائيل.. الحاضر الغائب في المشهد السوداني
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام في عام 2020، كان السودان ضمن الدول المرشحة للتطبيع مع إسرائيل. وفعلاً، تم الإعلان عن خطوات أولية في هذا الاتجاه. لكن الحرب المفاجئة التي اندلعت في أبريل 2023 عطّلت كل شيء، على الأقل في العلن.

مصادر استخباراتية وإعلامية تحدثت عن علاقات سابقة بين قادة التمرد وجهات إسرائيلية. كما نُقل عن بعض الدبلوماسيين الغربيين أن تل أبيب “لا تعارض بقاء (آل دقلو) كطرف قوي في المشهد السوداني”، خصوصًا وأنه يعزز خط عدم عودة الإسلاميين أو التيارات المعادية للتطبيع.

السؤال هنا: هل تغض أمريكا وإسرائيل الطرف عن تمدد قوات التمرد مقابل استمرار علاقات خلف الستار؟
وهل يتم تمرير مصالح تل أبيب الاستخباراتية والعسكرية في أفريقيا عبر هذه الفوضى التي تمزق السودان؟

■الخرطوم كورقة ضغط على مصر وليبيا؟

إلى جانب البعد الإسرائيلي، يُطرح بعد آخر لا يقل أهمية: هل يُستخدم السودان كأداة ضغط غير معلنة على مصر وليبيا؟

مصر، التي تخشى من تمدد الفوضى جنوب حدودها، تجد نفسها محاصرة من ملف سد النهضة شرقًا، وليبيا المضطربة غربًا، وسودان منهار جنوبًا.
أما ليبيا، فتشهد تحركات جديدة لقوات حفتر المدعومة إقليميًا، بالتوازي مع ظهور قوات الدعم السريع على أطراف المثلث الحدودي، ما يُشعل الشكوك حول وجود تنسيق إقليمي خفي يهدف لإعادة رسم خارطة النفوذ في الشمال الأفريقي.

إشعال الحريق في السودان قد يكون أحد أدوات الضغط “الناعمة” التي توظفها أطراف إقليمية ودولية لإعادة ترتيب ميزان القوى في المنطقة.

■ غياب الردع.. وغياب العدسة الإعلامية
المفارقة أن المجتمع الدولي، الذي يتدخل بسرعة في أزمات أقل حجمًا، لم يُفعّل حتى الآن أدوات الردع أو الاحتواء في السودان. لا عقوبات جدية، لا قرارات من مجلس الأمن ملزمة، ولا دعم حقيقي لمبادرات وقف إطلاق النار.
وفي الإعلام العالمي، السودان غائب كليًا من العناوين الكبرى. لا تغطية ميدانية كافية، ولا اهتمام يوازي حجم الكارثة الإنسانية والاقتصادية التي يشهدها البلد.

غياب العدسة الإعلامية لا يحدث من فراغ. فالإعلام في العالم اليوم يُحرّك وفق الأولويات السياسية. وإذا غاب السودان، فذلك لأن هناك من قرر أن يبقى في الظل حتى تنضج الصفقة.

■ في الخلاصة: بلد محاصر بالتجاهل
السودان لا يبدو اليوم دولة على الهامش، بل دولة تُعاد صياغتها في الخفاء.
قد يكون في قلب صفقة شاملة، تمتد من تل أبيب إلى واشنطن، ومن أديس أبابا إلى طرابلس.
صفقة تُرسم فيها الحدود والمصالح بدماء السودانيين، وتُقر فيها المعادلات الإقليمية من دون أدنى اعتبار لإرادة الشعب أو أمنه أو وحدته.

■ ويبقى السؤال الكبير مفتوحًا: متى يُكسر الصمت؟
ومتى يُعاد السودان إلى طاولة القرار لا كأداة بل كطرف؟
الأمل ضعيف… لكنه لم يمت بعد.