خارج الصورة/ عبدالعظيم صالح : أم الطيور ..طاقة متجددة

خارج الصورة
عبدالعظيم صالح
أم الطيور ..طاقة متجددة
خطيب الجمعه قبل الماضية بمسجد ام الطيور العتيق الشيخ الشاب بابكر احمد محجوب قدم خطبة رشيقة ربطت بين الإيمان وفضائل الصبر علي المكاره مركزا علي الحرب المفروضة علي السودان و مذكرا بواجب المسلم في التمسك بدينه وعقيدته ومحاسبة النفس والسمو بها من رزائل النفس البشرية ..هي خطبة جامعه ربطت معاني الدين بواقع الناس المر والقاسي وما سردته من دروس وعبر ومواعظ تمثل للمصلين ومن يستمع للخطبة التي يمتد صداها في الفضاء الخارجي مصدات واقية في زمن الابتلاءات والحروب والشدة والعدوان البشع.
إستوقفني في الخطبة الدعاء الصادق لإبن المنطقة ورجل الأعمال الشيخ عبد العزيز احمد عوض السيد لاياديه البيضاء في إعمال البر والإحسان واعماره للمسجد ومساجد أخري وزوايا وتوفيره لطاقة شمسية فنعم المصلون والخلوة الملحقة بكهرباء عالجت إنقطاع التيار الكهربائي الذي سببته مسيرات العدو الغاشم الايام الماضية في عدة ولايات من بينها ولاية نهر النيل..ثم حيا مجهودات أبناء المنطقة من الشباب الذين قاموا بمجهود عظيم في تشغيل محطات المياه بالطاقة الشمسية فسدت أيضا السواعد الفنية تغرة كبيرة في مسيرة الحياة اليومية بانسباب الإمداد المائي في المنازل والمرافق العامه الاخري.
وعقب الخطبة تحدث أحدهم عن مجهودات اللجنة الخاصة بتعويض المواطنين في المشروع الزراعي وماهو المطلوب من الاهالي حتي بلوغ القضية لغاياتها ومحطاتها النهائية في رد الحقوق لأهلها ..
اللحظة تحكي نشاط مجتمعي خلاق في هذه البقعة التي بت انتمي إليها وجدانا وانتماء وحبا وربما هذه من مكاسب الحرب اللعينة إن كانت لها مكاسب رغم ما سببته لنا من جروح وندوب وآلام هي آلام النزوح واللجوء التي طالت الجميع ..
أشعر بالراحة التامة هنا كلما جئت زائرا هذه المرة خالط شعوري حزنا دفينا برحيل ( الحضري) ..قبل أيام من رحيله هاتفني قائلا كما يقول لي دوما أخوانه صلاح والعوض ونور الدين (أها جايينا متين).. كلمات قليلة وعميقة نابعه من بئر (محنة) وعاطفة انسانية تحملك علي حمل شنطة النزوح حملا والتوجه بتلقائية نحو السوق الشعبي ويا عطبره جاك زول. ام الطيور زهاء ال ٣شهور..تدخل دار المرحوم عبد الله نور الدين وهو الذي قام بتوسعة المسجد في العام ١٩٧١ موضوع ما أحكي بعد أن كان زاوية شيدت في العام ١٩٤٧. هي الدار المفتوحة علي مصراعيها للغاشي والماشي ..هي دار ممتدة عبر الزمان للبشر والترحاب واكرام الضيف بصورة تجعلك تردد بلا شعور البيت المحفوظ في دواوين الكرم والمروءة ونبل الأخلاق ومكارم القوم في أسمي معانيها (يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل.وربما تقفز للذاكرة مقطع من قصيدة طويلة لشاعرنا الشعبي الراحل حسن علي الشفيع. (وصلنا مرتاحين وتم أملنا..اتلقانا خالد وبفرح دخلنا. وخالد المذكور هو إبنه. وهذا ما يفعله صلاح وإخوته الكرام
قبل عام نوينا انا والاحباب عابد سيد أحمد وأستاذنا الكبير محمد مبروك زيارة أخونا صلاح والذي يلح علينا كثيرا أن نزوره ولو ليوم..جئنا و في تخطيطنا ثلاثة أيام كما أتفقنا فتحولت الزيارة – بعد مغادرة رفيقي – الي شهور مكثتها في ام الطيور فانطبق علي المثل الذي يقول.. ذهبنا لاصطياد أرنبا فاصطدنا فيلا. والفيل هنا هو باقة كبيرة من مودة وأخاء وصداقة بدأ ت بصلاح والعوض ونور الدين والحضري عبد الله رحمه الله ثم اتسعت الدائرة بدخول الأحباب بشير ومعتصم وأسعد وسعد القوم ويوسف وفيصل وجمال والحسن المؤرخ الشعبي والسر وشيخ عبد الرحيم ومحمد اسماعيل وأحمد محجوب وعبد العزيز وبله(الحاضر)وامتدت الدائرة بامتداد الزيارة التي حولناها لاقامة تسمح بالخروج والعودة لام الطيور متي ما سمحت لنا شواغلنا في رحلة النزوح التي لا نعرف متي تنتهي وربما قريبا علي ضوء الانتصارات العظيمة التي حققها جيشنا الباسل علي عصابات الدعم السريع وإعادته للظل خرطومنا الجميلة ودروشابنا الرائعة والتي نسميها زهرة الخرطوم بحري. .توسعت الدائرة لتبني حديقة ورود من محبة لتشمل أطياف مجتمع ام الطيو.ر ولا يسمح حيز المكان لسرد اتساع مكانة هؤلاء القوم الكرام في القلوب والأفئدة.
طاب لنا المقام ونحن نجلس يوميا في الدار الرحبة. الفترة الأولي بعد صلاة الصبح ترد (ترامس) الشاي والقهوة ويتوافد الأحباب ..انا بحكم قوة المحبة أجلس في (الهاي تيبل) وبجانبي المرحوم الحضري وعلي البساط يتوزع الحضور نخوض في تطورات الساحه ثم ندلف لحديث الذكريات وتتوالي (السرديات) تتخللها فواصل من الطرائف والملح والنوادر. ثم ينفض السامر وأشعة الشمس تنبه الحضور أن( حي علي العمل. )مافي اي زول هنا بقعد ساكت..كل الي عمله في حقله أو ذاهبا الي جوف عاصمة الحديد والنهار …
في المساء بعد صلاة العشاء نجتمع مرة أخري وهذه المرة نستلقي علي ا لأسرة و والعيون متعلقة بالسماء حمدا وتسبيحا وسكينة لا تشتري بالذهب هنا حيث الصفاء والهدوء وجمال الريف في السودان ونستعيد ذات برنامج الصباح مضافا اليه تجديدات وتطورات اليوم ..يتسلل إليك اللحظة إحساس بالارتياح عجيب وتتذكر ما يقوله الطيب صالح في موسم الهجره إلي الشمال(أحس في هذه اللحظة إننا أخوة)..وعادة ينقطع الإرسال عند التاسعة تماما يتسلل (بشير ومعتصم وسعد)لواذا وهروبا فالحكومات (قابضة) وخوفا من سين وجيم وإغلاق الأبواب فإنهم ينصرفون والحقيقة تقول إنهم يهربون منا كل ليلة.. بعدها نرفع الجلسة ونخلد للنوم علي أمل الاستيقاظ عند الفجر للصلاة ولمعاودة ذات البرنامج والذي أطلقنا عليه إسم( المنتدي القومي الشامل ) والذي ننوي إن مد الله في الآجال والدفع به إلي رحاب أوسع في فضاءات الوطن نشرا للثقافة والقيم والمحبة وحفاظا علي دولة (٥٦)شاء من شاء وأبي من أبي.
ومن أم الطيور البداية لعودة السودان (القديم) سودان العزة والأصالة والشجاعه و التسامح بعيدا عن كل هذا القبح وروح الكراهية والحقد الدفين لمجتمع سوداني لا ذنب له سوي انه يرنو للعيش في سلام وتصالح إمتدادا لرسالة الأجداد الذين أورثونا بلدا عظيما إسمه السودان.
أخي أستاذ صلاح أسمح لي بإقتباس هذه الأبيات لحاتم الطائي واحسبها (مفصلة علي مقاسك)…أيا ابنة عبد الله، وابنة مالكٍ، وبا ابنة ذي البُرْدينِ والفرَسِ الوردِ إذا ما صنعت الزاد، فالتمسي لهُ أكيلاً، فإني لست آكلهُ وحدي أخا طارقاً، أو جار بيتٍ، فإنني أخافُ مَذَمّاتِ الأحاديثِ من بعدي وإنّي لعَبْدُ الضّيفِ، ما دام ثاوياً وما فيّ الا تلك الشيمة