محمد طلب يكتب : الرجوع و العودة في الاغاني السودانية (2-10)* *(متين نرجع للبلد طولنا)*

 

 

اخذني امر العودة والدعوة لها في كل الوسائط الاعلامية وتناول الناس لها بعواطف (جياشة ) الي واحدة من الاغنيات الجميلة علي ايقاع الدليب وانغام الطمبور و رحلت بي الاغنية عاطفياً الي الوطن الجريح إلا انني وبعد بعض من الدموع تاملت كلمات الاغنية ودعوتها الصادقة قولاً (للعودة) بلا صدق فعلي في زمن كانت بلادنا اكثر استقراراً مما هي عليه الان فتعالوا معي الي تلك الاغنية ربما تحمل الان دعوات اكثر صدقاً و ايماناً (للرجوع) و إصلاح ذات البين متمنين من الله عز وجل ان تضع هذه الحرب اوزارها ونتفرغ لبناء سودان جديد (لنج) يهتم فيه الناس بإصلاح احوالهم والتفكير بطرق مختلفة والخروج عن التنميط

الاغنية للمرحوم الفنان عثمان اليمني علي ايقاع الدليب وانغام (الطمبور) ولها كلمات جميلة تاخذ بالالباب وتلعب بالمشاعر وتؤجج نار الاشواق فقط دون (رد فعل) مصاحب او اي (Reaction) سوي الصفقة والرقص و( العلالة) وشئ من الحنين الي القرية (البلد) ولم نر ونحن نسمع هذه الاغنية لعقود الشاعر او المغني او الكورس او حتي المستمعين بمشاعرهم الملتهبة قد رجعوا (البلد) المقصودة التي وصفها المغني ب (ارض النخيل العالية) .. وهو يقصد شمال السودان و الجميعو قابعون بالخرطوم التي لم نعرف حتي اليوم (حقت ابو منو!!!!)

خلال هذه الحرب اللعينة كثير من الاهل (رجعوا البلد) فماذا فعلوا ؟؟

هذا سؤال مهم جداً و الاجابة عليه تحتاج للتفكير خارج الصندوق والعصف الذهني المتواصل الذي يعقبه إنجاز ثم عصف ذهني ثم إنجاز… وتعايش واختلاط وتبادل منافع

اغلب الظن ان الاجابة علي سؤال ماذا فعلوا؟؟؟ …
سوف تكون غناء بذات الاغنية وذات الايقاع ايضاً و( متين نرجع للبلد طولّنا)

وهم يقصدون هذه المرة الخرطوم وامدرمان وبحري بحاراتها وصحافاتها وامبداتها وثوراتها و الاحياء الشعبية حتي مصفاة الجيلي و حال الاختلاط والتعايش بعيدا عن تلك الديار و اظن ان هذا مرده الي طريقة التفكير النمطي والتقليدي المنمط الموروث حتي عند المتخصصين و صانعي التغيير لدينا …لتظل الجنينة ونيالا و الفاشر حكر نعود له من الخرطوم في الاعياد للاستئناس بالعجزة وكبار السن وكذا مروي والدبة نزورها مع ( حش التمر) ولم نفكر يوماً في تطوير هذا (الحش) واستصلاح الاراضي الشاسعة والصحاري الممتدة بعد جروف النيل علي ضفتيه…

اثناء هذه الحرب والقصف والدمار سالت بعفوية صديقي المهندس في جلسة اخوية قائلاً له:-
يا تري اذا رجعنا و اهلنا لتلك المنطقة (البلد) هل بالإمكان ان تسعنا تلك المساحات الضيقة (المقابلة النيل)

فكان رده بذات العفوية والله (ماتشيلنا) وضحكنا وقلنا سوياً (ياخ كِتِرنا) وافقته قائلا والله يا (حليلنا و يا حليل اهلنا)….

وفي ساعة صفاء وتفكير عميق وجدت انه مخطئ وانا كذلك لاننا لم نفكر (خارج الصندوق) وهو بما وهبه الله من علم وتخصص في كيفية حل مثل هذه المشكلات…. ولو فكر قليلا لكان رده العلمي حسب تخصصه (والله تشيل عشرين مثلنا)..

في مثل هذه الايام وعيد الاضحي يقترب اعتاد اهل (البلد) الذين تمثل كثافتهم في الخرطوم اضعاف مضاعفة ممن هم بها واضعاف الموجودين بالبلد يحملون الجنسيات الاوربية والامريكية والاسترالية وغيرها لكنهم عند (العودة) (للبلد) يعودون بذات العقلية القديمة ولا يفكرون او يتحدثون بطريقة مختلفة حتي وان فعلوا لن يسلموا من سياط الموجودين هناك وكلاهما يمارس (النفاق الاجتماعي) الذي لا فائدة منه فالعائد من كندا او امريكا و اوربا او استراليا او غيرها يقول والله ( ناس البلد ياهم ذاااتم ما إتغيروا اصلو) وناس البلد يقولون (حومد عِتمان اربعين سنة في كندا وياهو مُحُمد القِدييم ) لم يتغيير وكلاهما يكون قد حقق هدفه من (النفاق الاجتماعي) و امر (العودة) الخاطفة و تظل (البلد) في حالها القديم وكل الناس هم نفس الناس لكنهم بلا شلوخ ولا شموخ

هذه المرة (رجوعهم للبلد) مختلف.. فقد كان اجبارياً وقسرياً وليس اختيارياً فهل سيكونون كما كانوا ام انهم قد صنعوا تغييراً و انقلبوا 180درجة؟؟
وقد صادفوا اكثر من عيد كبير و صغير (هناك) وربما يدركهم العيد القادم هناك…

فان لم نصنع من هذه الحرب تغييراً (فالترابة في خشمنا)

قل لي كيف العودة و الحرب ما زالت مستمرة والرجوع ليست مستحيلاً لكنها تحتاج منا الكثير و أوله وقف (البل تماماً) ثم تغيير العقلية القديمة لتعمير تلك الاقاليم كي تكون (عودتنا القسرية) ذات معني وان الحرب قد احدثت تغييراً حقيقياً لتصبح العودة هي (عدم العودة للخرطوم) لكنها عودة لإعمار بلاد تركناها زماناً شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً فكلها اراض شاسعة تسع الجميع و أضعافهم …
لكن الناشطون علي رؤوسنا والمترئسون ما زالوا يكبرون ويهللون ويدعون للعودة للخرطوم المحررة بينما العقول لم تتحرر و التفكير ما زال كما هو يتحدث عن (الوجوه الغريبة) ويغني ( متين نرجع للبلد طولنا)؟!؟!
والبلد كل البلد اضحت الخرطوم رغم ان بلادنا (خراطيم) خير و وفرة وجمال وتنوع .

سلام

محمد طلب