ماسأة العيلفون/هل من استراحة بعد الاستباحة(7)

*ماسأة العيلفون/هل من استراحة بعد الاستباحة(7)*
كان يوم الجمعة 6 اكتوبر 2023 يوم تاريخي في حياة اهل العيلفون وتاريخ استقرارهم بها منذ قدوم جدهم الشيخ ادريس بن الارباب رضي الله عنه والهجرات التي تلتها من انحاء السودان وقبائله المختلفة والتفت حول مسيد الولي ود الارباب وتصاهروا وتناسلوا و كونوا الكيان الحالي للمنطقة…. كان يوم الجمعة هذا يوم استثنائي لن يمحوه تواتر العواصف واحداثها من ذاكرة التاريخ.. والعيلفون مرت بكثير من الاحداث التاريخية في فترات مختلفة مع التركية والمهدية والانجليز الا انه كان افظعها و اوحشها و اقساها لعدة اسباب اذ هو صبيحة ليلة الاجتياح الغاشم علي المنطقة فهو اليوم الذي لم تقم فيه صلاة الجمعة او نسمع لها اذاناً ولم نر الجلابيب البيض والعمائم والناس تتجه نحو المساجد و قلوبهم نحو الخالق … هو اليوم الذي بدأت فيه هجرات اهل العيلفون القسرية الي المجهول حتي اضحت شبه خالية من البشر انه يوم يحتاج لاسم يميزه ويعبر عنه بشكل واضح… انها جمعة الغضب واجتياح وانكسار الاهل انها جمعة الغريب العجيب من الافعال والاقوال انها جمعة الرحيل المرير و القسري انها جمعة الحنظل المر بل هي (جمعة اللا جمعة) جمعة الخوف جمعة الرعب جمعة الاستباحة جمعة النوح والنحيب جمعة التشرد.. ولا احب تسميتها (جمعة الجغمة) رغم ان العيلفون (انجغمت) في ذاك اليوم بسهولة ويا لقبح لفظ (الجقم) و لا اجد اسم انسب لذاك اليوم سوي ( جمعة اللاجمعة) حتي تجدوا لها اسما يناسبها فلكم في ذلك خبرة وسوابق يا اهل العيلفون الكرام مثل ما سميتم (يوم الجردة) ويوم (كتلة ود الفريع) و غيرها خلال تاربخكم العريض.. و الي الان هي عندي *جمعة اللا جمعة* فقد خلت تماما عن اي مظهر من مظاهر ايام الجمع المميزة ونهايات الاسبوع المعروفة باختلافها عن ايام الاسبوع الاخري بدلاً عن خروج الناس باكراً نحو سوق الحلة او سوق الندي ونحو ذبائحهم وخضارهم وفواكهم وخبزهم والعودة بما لذا وطاب و تجهيز (فطور الجمعة) المميز الذي تجتمع حوله الاسر والاهل والاصدقاء يستأنسون ببعضهم البعض او يطوفون علي افراح الاهل ومناسباتهم ذات الطابع المختلف والمميز عند اهل العيلفون… وبعد ذلك يستعدون لصلاة الجمعة الا ان ذلك الصباح شهد خروج الناس من بيوتهم نحو المجهول وربما اللاعودة يجرون ما خف من حقائبهم وما استطاعوا حمله من متاعهم وبعضهم فر خارجاً بما علي جسده من ملابس باقدام مثقلة جعلها الرعب وصوت النيران و دويها وخيالات القتل وحقيقته اكثر خفة… ارواح منهكة لم تنم ليلة البارحة ولم يفطن الناس انها الجمعة لم نسمع شقشقة طيور الصباح علي اغصانها وفضلت البقاء في اوكارها فالاجواء لم تعد اجوائها وليتنا كنا مثلها والتزمنا بيوتنا لكننا نفوس بشرية جبلت علي الهلع قال عنها خالقها في سورة المعارج (ان الانسان خلق هلوعاً اذا مسه الشر جزوعاً) وقد مسنا شر كبير ثم اتت الايات بعدها بالاستثناءات في هذه الاحوال العصيبة وبينتها تفصيلاً…
قضي اولادي ليلتهم السابقة في غرفة واحدة بعضهم علي سرايرها وبعضهم تحتها والخوف سيد الموقف والظلام والحر وقسوة الحدث هو السائد لم يناموا وكيف يزورهم النوم والرعب يسيطر علي قلوبهم والعقول والخيالات تتراي امامهم والصور الذهنية للقادم القاتم لا تفارقهم …….
كنت مع (ناس الكهرباء) الذين انقطعت بهم السبل في بيتنا وسُرق (دفارهم الجامبو) ننام في الحوش حيث رتبت لهم مراقدهم … وفجأة اثناء ذلك الهدوء القاتل سمعت صوت ينادي بقوة (طلب.. طلب… يا طلب) برهة وتبينت انه صوت العم والجار (عمر الشريف) فنهضت اقول (ايوا نعم ياعم عمر وفتحت له الباب ونهض الجميع وجدته كما عرفته يسال عن احوالنا و ماذا حدث لنا وطمأنته ان الجميع بخير وتبادلنا بعض ما واجهنا في تلك الامسية وحكي لي معاناة بنت جارنا( حسن عمر) التي كانت لوحدها ببيتهم حيث ذهب اهلها لبيت جدها انه اليوم الثاني لوفاته رحمه الله و التي كادت تموت من الرعب الي ان اكتشف عمنا عمر انها لوحدها بالبيت واتي بها معهم وذات الخوف والرعب خيم علي اهلها حتي وصلوا ليلاً واخذوها معهم الي بيت جدهم وحمدوا الله علي سلامتها و قد شهدت في اليوم التالي عمليات سرقة منزلهم ومنزل عمنا مر الشريف الذي يبدو انه غادر بعد خروجه من بيتنا في تلك الليلة وانا مكتوف يعتصرني الالم علي ما يحدث امام ناظري.. كلها كانت عمليات منظمة ومخطط لها وكل له دوره المعلوم في التوقيت المعلوم يا للهول اين الطرف الذي يفترض فيه حمايتنا لا ادري والله اعلم بما يدور لكننا الضحية…. بعد صلاة الفجر قرر جميع من كان معنا بالبيت الخروج الي اهلهم.. زرت الوالدة واختي ومن معهم للاطمئنان علي احوالهم كان بالمنزل مجموعة كبيرة من الاهل والاحباب مع الوالدة فما زالت مظاهر مأتم الوالد قائمة واهلنا من النساء كعادة الاهل عند زيارتهم لم يستطيعوا الخروج من البيت في ذلك اليوم وقضوا ليلة الاجتياح وباتوا في ذلك الظلام الدامس تحت وابل الرصاص والقنابل وقلوبهم تكاد تخترق القفص الصدري
كان يوم الجمعة كئيب جدا باك وحزين يؤلمه ما حدث للمنطقة واهلها من الاطفال و كبار السن والحرائر والمرضي و الحوامل علي وشك الوضوع الكل يجر ما استطاع جره تناسوا كل العلل و المرض وعدم القدرة لينقذوا انفسهم و اسرهم من هذا العدوان الغاشم طفت علي بيوت بعض اهلي لتفقدهم وعند السابعة تقريباً بدأ الاعداء يظهرون واصوات النار هنا وهناك فوق روؤس المارة ارهاباً خلق خوفا وفزعا في النفوس وبدأ الهجوم علي البيوت والسرقة المنظمة جداً بدأت بالسيارات والاموال ولم تنتهي باصناف الطعام… ..
عدت ادراجي للبيت وجدتهم مكدسين بالغرف يتدثرون الرعب ورقدت متعباً في (المظلة) فسمعت طرقاً عنيفاً واحدهم يتسلق الحائط فقلت له انتظر سوف افتح لك فتلفظ نحوي بما لا استطيع قوله قوم يا (….) افتح الباب فتحت لهم الباب فدخل اربعة وخامسهم (بكمدوله) . يركبون سيارتنا التي سرقوها مساء البارحة عندما وجدوها تقف امام الباب واطلقوا الاعيرة النارية داخل البيت وقالوا اعطونا المفتاح والا قتلناكم جميعاً وكن نساء كثر صرخن وتجزعن واغمي علي بعضهن واعطوهم المفتاح واتوا بها الان لاخذ ما تبقي لحقت بي اختي التي ابدت بسالة وشجاعة متناهية لعلمها بامكانية تهوري وسالوني مفاتيح السيارات فقلت لهم لا املك مفاتيحها خذوها ان اردتم فانتم الاقوياء ومبروكة عليكم لكني لا املك المفاتيح هددوني واطلقوا الرصاص وكنت عند موقفي فقد احسست بالذل ان اعطهم المفاتيح وقلت لهم علي الطلاق انتم ارجل منا وانتم الاقوي مبروكة عليكم نحن ما عندنا غير الله يحمينا فرد احدهم نحن الله جابنا الله نحميكم ما تخافوا بس جيب المفاتيح قلت له انا ماعندي مفاتيح العربات دي امانة فرد افظعهم عمك دا راسو قوي خلوني افرطقوا اطلع مخو قلت له اضربني وريحني والموت واحد في تلك اللحظة كان بعضهم قد كسر الزجاج وفتحوا الابواب وقال لهم احدهم عمك دا سيبو (بنظموا بعدين) تعالوا ادفروا وجروا السيارات خارج المنزل وحاولوا تدويرها لكنهم فشلوا فجروا واحدة وتركوا الثانية اتو لها بمتخصص لاحقاً…
حمدنا الله وجلسنا انا واختي بالحوش ننتظر القادم المجهول.. لحظات وسمعنا اصوات الطيران والقنابل كانت اركان البيت تهتز مع اصوات القذف والقلوب تكاد تقفز خارج الصدور… بعد توقف الاصوات سمعنا صوت ناري قوي جدا وكانه داخل البيت وسمعنا طرقاً علي الباب سبقتني اختي ببسالة نحو الباب وانا اصرخ بها توقفي سوف افتح بنفسي.. لكنها لم تعرني اهتماماً لعلمها بان حركتي ضعيفة نتيجة الجلطةَالدماغية و فتحت الباب ولحقت بها فوجدنا سيارة عسكرية مجهزة بالكامل تقف تحت الشجرة التي كان يجلس تحتها والدي رحمه الله وعليها خمسة عساكر سادسهم من طرق الباب وقال( ما تخافوا عاوزين موية شراب بس) فقلت له (نحن ما خائفين والموت واحد لكن انتو العملتوا بكره فيكم الناس هداك الجيش كان انتو ناس حرب امشوا اتكاتلوا معاهو والحشاش يملأ شبكتومالكم ومال المواطن المسكين الاعزل تشيلوا عرباتهم وقروشهم هنا انفعل احدهم وقال يا زول السرقك منو اتكلم كويس ما تخلينا نتصرف معاك وانت معوق فقلت له لقد سرقوا سيارتنا اليوم من البيت فقال لي بحسم وقوة اتحداك تقول في سيارة عسكرية ذي دي وضرب بقوة علي جسم السيارة تكون جرت ليها عربية منكم… هنا كانت اختي قد اتت لهم بالماء… وانا صامت افكر وقلت له حقاً انت صادق السيارات التي جرت سياراتنا كانت سيارات مدنية وكذلك سيارات السرقة فضحك وقال خلاص اسال حكومتك وجيشك وفلولك… يازول ادخل بيتك نحن شربنا وماشين.. دخلت البيت لكنهم لم يتحركوا….لا ادري لماذا هذه السيارة المجهزة امام بيتنا تحديداً؟؟؟ وهذا لم اره خلال تواجدي اربعة ايام بالعيلفون
كان الغيظ يتملكني مسكت اختي بيدي وقادتني نحو السرير…. وقد تطول الحكاية بلا نهاية…. يتبع
سلام
*النازح واللاجئ المشرد الذي ذاق ماذاق…. فاقد الماوئ وكاره النفاق… منتظر الاتفاق في ظل اللا اخلاق… وارواح تزهق و دماء تراق… والامر لله الحي الباق*
محمد طلب