جثث في العراء ومقابر في الظل.. من يملك الحقيقة بعد تحرير الخرطوم؟”بقلم محيي الدين شجر

رأي : سودان سوا
“جثث في العراء ومقابر في الظل.. من يملك الحقيقة بعد تحرير الخرطوم؟”بقلم محيي الدين شجر
الطب العدلي يتحدث عن النظام، والميدان يكشف وجهاً آخر للصمت الطويل
في الوقت الذي تحاول فيه العاصمة الخرطوم الخروج من تحت أنقاض الحرب، يظل ملف الجثامين والمفقودين أحد أكثر الملفات غموضًا وتعقيدًا، خاصة مع ظهور مقابر جماعية بعد تحرير المدينة من قبضة المليشيا المتمردة، وسط تساؤلات حادة حول كيفية الدفن، التوثيق، والعدالة.
أكدت وزارة الصحة بولاية الخرطوم، في بيان رسمي، أن هيئة الطب العدلي هي الجهة الوحيدة المنوط بها تلقي البلاغات عن تواجد الجثث، وتتحمل مسؤولية الإشراف على كافة المشارح والمقابر الرسمية، مشيرة إلى أن كل إجراءات نقل ودفن الجثامين تتم مجانًا دون أي مقابل مادي، عبر لجان متخصصة.
الوزارة نفت ما تم تداوله عن تقاضي رسوم لنقل جثمان في ضاحية “الدوحة” بأم درمان، قُدّرت بـ 4 ملايين جنيه، مؤكدة أن لا صحة لتلك المزاعم، وأن الإجراءات تتم بإشراف مباشر من هيئة الطب العدلي ومحلية أم درمان.
لكن وفي المقابل، ومع دخول القوات النظامية إلى المناطق المحررة من الخرطوم، تم اكتشاف عدد من المقابر الجماعية وجثث مجهولة الهوية مدفونة بطرق غير معتادة، بعضها في منازل مهجورة، وأخرى في مؤسسات عامة وساحات الأحياء.
وفي هذا السياق، كشف د. هشام زين العابدين، رئيس هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم، أن فرق الهيئة تمكنت خلال الحرب من نقل أكثر من (٣٨٠٠) جثة، ودفنها في المقابر العامة بعد تلقي بلاغات عن وجود جثامين داخل المنازل والميادين والمرافق الصحية.
كما أشار إلى أن لجنة مشتركة تضم الطب العدلي والمدير التنفيذي لمحلية أم درمان والجهات الأمنية، تعمل حالياً على حصر المقابر المنتشرة في أحياء أم درمان القديمة، ومع ذلك لم تصدر بعد أي تقارير مفصّلة توضح هوية المدفونين في تلك المقابر الجماعية أو ظروف دفنهم، ما أثار موجة من القلق وسط أسر المفقودين والناشطين الحقوقيين.
أبعاد حقوقية مقلقة:
القانون الإنساني يفرض توثيق كل جثمان وتحديد هويته، لكن مع غياب قاعدة بيانات موحدة وفحص DNA، يبقى مصير مئات الجثث مجهولًا.
أسر المفقودين تطالب بالكشف عن مواقع المقابر الجماعية والتحقيق في ملابسات دفنها، خاصة مع وجود مخاوف من أن يكون بينها ضحايا لتصفيات أو انتهاكات.
دفن الجثث دون إشراف قضائي أو حقوقي يعزز القلق من طمس أدلة قد تكون ضرورية لعدالة مستقبلية.
تساؤلات مشروعة:
هل تم تصوير وتوثيق كل جثة قبل دفنها؟
من الذي يحدد مكان الدفن وظروفه؟
هل هناك سجل مفتوح يمكن لأسر المفقودين مراجعته؟
ولماذا لم تُنشر قوائم الجثامين المجهولة حتى الآن؟
في الختام:
ما بين الرواية الرسمية التي تتحدث عن “إجراءات منظمة”، وواقع الميدان الذي يكشف “قبورًا في الظل”، يبقى ملف الموتى في الخرطوم أكثر من مجرد قضية طبية… إنه امتحان للعدالة والشفافية وكرامة الإنسان حتى بعد موته.