محيي الدين شجر يكتب : رئيس الوزراء في مواجهة اللغم المؤجل

محيي الدين شجر يكتب : رئيس الوزراء في مواجهة اللغم المؤجل
انشغل الرأي العام السوداني خلال الأيام الماضية بما ستحمله تشكيلة الحكومة الجديدة التي يعتزم رئيس الوزراء، كامل إدريس، الإعلان عنها عقب عطلة عيد الأضحى المبارك. ويتركز الجدل تحديدًا حول وزارة المالية، التي يتولاها حاليًا رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم.
فرغم أن جبريل كان من أكثر الوزراء إثارة للجدل والسخط الشعبي، بسبب ما وصف بتجاهله لعدد من الملفات الحيوية، خاصة تلك المتعلقة بولاية البحر الأحمر، إلا أن معادلات المرحلة وتوازنات القوى قد تُجبر رئيس الوزراء على الإبقاء عليه، ولو مؤقتًا.
البحر الأحمر… الولاية المنسية
تبدو خيبة الأمل واضحة في أوساط أبناء البحر الأحمر، الذين يرون أن ولايتهم لم تجد من جبريل سوى التجاهل، رغم أنها لم تقصر في تقديم الدعم والتعاون مع الحكومة الاتحادية ومع وزارة المالية نفسها ..
فمشاريع استراتيجية، مثل كهرباء كلانييب، لم تحظ بتمويل من وزارة المالية، واضطر وزير الطاقة والنفط إلى التكفل بهامش الجدية الخاص بالمشروع، كحل اضطراري.
الأمر ذاته تكرر مع مشاريع صغيرة نسبيًا، لكنها حيوية، مثل كهرباء سواكن، كهرباء أربعات، ومحطة تحلية الشاحنات، رغم وجود دعم خارجي وأسبيرات وصلت من السعودية. كل هذه المشاريع ظلت حبيسة الأضابير، بلا قرار ولا دعم.
المكتب المغلق… والوزير المحصن
لا يقتصر الغضب من جبريل على الملفات التنموية، بل يمتد إلى طريقة إدارته للوزارة. فمكتبه، بحسب شهادات شخصية، بات شبه مغلق أمام العامة والمهتمين بالشأن الاقتصادي، بينما يُفتح لآخرين دون معايير واضحة. ويبدو أن موظفي مكتبه يعاملون المنصب كملكية خاصة، وليس موقعًا لخدمة الدولة.
كامل إدريس أمام معادلة صعبة
رغم كل هذا الغضب الشعبي، إلا أن رئيس الوزراء يجد نفسه أمام معادلة معقدة. فجبريل لا يمثل نفسه فقط، بل يُعد أحد رموز الكفاح المسلح الذي وقف مع الجيش ضد المليشيا، في محاور عديدة. كما أن هناك “اعتبارات مرحلية” تفرض بقاءه – مؤقتًا – في منصبه، إلى جانب بقاء وزير المعادن من حركة تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي، فيما قد تطرأ تغييرات على وزارات أخرى رغم ان الحكومة السابقة التي تم حلها كان فيها وزراء قدموا عطاءا مذهلا ..
اتفاق جوبا… والوزارات الثقيلة
ينص اتفاق جوبا للسلام على منح الحركات المسلحة 25% من الحقائب الوزارية. وتم توزيع الوزارات في الحكومة المحلولة على هذا الأساس:
العدل والمساواة: المالية والتخطيط الاقتصادي، والرعاية والتنمية الاجتماعية.
تحرير السودان (مناوي): وزارة المعادن.
التحالف السوداني: وزارة الثروة الحيوانية.
الحركة الشعبية (مالك عقار): وزارة الحكم الاتحادي.
ورغم أن الاتفاق لم يحدد وزارات بعينها، إلا أن الحركات استغلت الفراغ الحزبي سابقا وسيطرت على الوزارات الثقيلة، وعلى رأسها المالية والمعادن، ولا تبدو مستعدة للتنازل عنهما.
تحدي الوثيقة الدستورية… هل ينجو كامل إدريس؟
يتمثل التحدي الأكبر أمام رئيس الوزراء في الالتزام الصارم بالوثيقة الدستورية المعدّلة لعام 2025، والتي تنص بوضوح على أن الوزراء يجب أن يكونوا “مستقلين وغير حزبيين”. في المقابل، تتيح للحركات المسلحة ترشيح ممثليها في الحكومة.
لكن المفارقة أن الحركات، منذ توقيع اتفاق جوبا، ظلت ترشح قياداتها الحزبية، متجاهلة شرط الاستقلالية. فهل يجرؤ رئيس الوزراء على فرض هذا الشرط؟ أم يخضع للضغوط ويقبل بالأسماء المطروحة، حفاظًا على التوازنات الهشة؟
الوثيقة تعني أن رفضه لأي مرشح حزبي هو احترام للنصوص، لكن القبول به هو رضوخ لتفاهمات ما قبل الدولة. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن كامل إدريس بدأ مشواره على حافة صراع… بين الدستور والميدان.