قصة من الواقع ..مأساة العيلفون / هل من استراحة بعد الاستباحة(3)

*مأساة العيلفون / هل من استراحة بعد الاستباحة(3)*
في المقال السابق اوضحت لكم اني اقضي جل اليوم بمسجد المرحوم الشيخ ياسر عثمان جاد الله وملحقاته في دار حفظ القران الكريم بالعيلفون
وفي نهار الخميس الخامس من اكتوبر تاريخ اجتياح العيلفون و بعد صلاة الظهر ذهبت لمضيفة المسيد الملحقة بالمسجد كان نهاراً حاراً و الكهرباء مقطوعة لايام وجسدي منهك جداً ولم انم في الليلة السابقة وهو اليوم الوحيد الذي كنت به وحيداً بالمضيفة و ظللت اتقلب علي مرقدي اتصبب عرقاً ثم اجف واعرق مرة اخري حتي اعتاد جسدي علي هذا الحال وتوافق معه فدخلت في غفوة لا ادري كم استمرت.. صحوت علي صوت الطلقات النارية التي اضحت تزداد شئياً فشئياً…
ادار (الفقراء) تحت وابل الرصاص المولد الكهربائي لاذان العصر فنهضت من مرقدي متجهاً نحو مكان الوضوء تحت الكم الهائل من الرصاص و الذي كاد ان يخترق راسي لو لا انني بركت كما البعير وظللت اجر نفسي نحو مكان الوضوء ثم توضأت بفرائض الوضوء فقط والرصاص من كل جانب وانتبصت علي ثلاث متجها نحو المسجد وبركت مرة اخري لوهلة وساعدني احد (الفقراء) لقطع الامتار القليلة جدا المتبقة نحو المسجد…
(الفقراء) في اعمار غضة ومنهم الاطفال الذين لم يتجاوزوا الثامنة من العمر احاسيسهم المتناقضة تختلط ببعضها البعض يضحكون حيناً ويرتعدون خوفاً احياناً والفضول لديهم وحب الاستطلاع علي حالة الرعب يدفعهم ليعرفوا سر ما يحدث واصوات النيران والقنابل تدوي بشكل مخيف جدا لم نشهده من قبل بالعيلفون الامنة…. اقمنا صلاتنا وقمنا لها والله في قلوبنا مع اصوات المدافع التي تهتز لها اركان المسجد تذكرت قول جدتي رحمها الله (خُت الرحمن في قلبك) و صليت كما لم اصلي من قبل بوجل وخشوع ودعوات في السجود واظن انا الجميع تمني الا تنتهي تلك الصلاة لما وجدناه فيها من طمأنينة وبعد السلام ابتهل الجميع بالدعوات الصادقات التي زرعت الصبر والثبات في قلوبنا ثم تلونا سورة (يس) بقلوبنا مع اصواتنا بشكل جماعي جميل ودعونا الله بالتوالي من الحفظة و آمنا علي دعواتهم وظل الجميع داخل المسجد كل يناجي المولي لوحده ونحن في بيت من بيوته واغلقنا الابواب والتزمنا ركناً قصياً من المسجد الي صلاة المغرب بوضوء العصر ولم يكن بمقدور احدنا تجديد الوضوء وان بطل وضوءه فالحال به ما يبطله…. ..
اظن ان معظم مساجد القرية في ذلك اليوم لم تقم صلاة المغرب او تؤذن لها عدا المساجد التي بها طلاب و(فقراء) كانوا داخل المسجد وليس في مساكنهم لانه من الصعب جدا قطع مسافة متر واحد تحت كم الطلقات النارية المهول…
لا ادري كيف قلت للامام ان يجمع المغرب والعشاء وانا الذي يخشي ان يدخل نفسه في مثل هذه الاشياء وصلينا المغرب والعشاء جمعاً وتوالت الدعوات الخاشعة ثم تلونا سورة يس علي ذات النهج السابق
كان الضرب قوياً جداً و كثيفاً مابين آذان العصر والمغرب وهي اللحظات التي تم فيها اقتحام المنطقة والاحياء الامامية للعيلفون (الامتداد والشروق) والانتشار بكثافة بعد ذلك فقد شاهدنا بطرف خفي سيارة تقتحم مبني وبقالة (العديل والزين) وتحاول سرقة السيارة المتوقفة امام المبني وعندما غلبهم امر السيارة واشتد الضرب ركبوا سيارتهم وهم ثلاثة رابعهم موتر واتجهوا جنوبا… يبدو ان الساعات مابين صلاة العصر والمغرب هي الفترة التي اقتحمت فيها القوة الغاشمة حي الامتداد وعاست فيه فسادا ونحن داخل المسجد لا ندري عن حال اهلنا شئيا
بعد الصلاة مباشرة اصررت ان اذهب الي بيتنا في الحي الذي اقتحموه للاطمئنان علي والدتي وابنائي والاسرة وكانت الاصوات قد هدأت قليلا والح اكبر ثلاثة من (الفقراء) ومن بينهم الامام ان يذهبوا معي ورفضوا ان يتركوني وهم من حفظة القران وقد حفظني الله بهم والحمد لله
و كنا نتجه من الجهة الغربية نحو الشرق الجغرافي و وجدنا قلة قليلة من الاهل والمعارف يتجهون غرباً وحذرونا من الطريق المسفلت الرئيسي (الظلط) الذي يتجه من الشمال للجنوب حتي نهايته عند مواقع الجيش
كنت كل ما تقدمت قليلاً اطلب من (الفقراء) ان ارجعوا هداكم الله فيرفضون بشدة وعندما ظهر لنا طربق الاسفلت وكان مكدساً بالسيارات العسكرية فظهر الرضا علي اوجه الاولاد وقالوا بصوت واحد( اووو الجيش ظهر) واحسست انا ايضاً بالراحة وقلت لهم اذن ارجعوا المسيد لاخوانكم يبدو ان جيشنا قد سيطر علي الوضع فودعوني وعادوا علي اثرهم فتقدمت مطمئناً وانا اري عشرات السيارات العسكرية ومشيت متمهلا الي ان وصلت (الظلط) وكنت بين خمسين سيارة تقريبا وعندما لمحوني اقطع الشارع اضأوا انوار السيارة امامي كي اعبر الشارع
حتي قطعت الشارع وكدت ان اهتف (جيش واحد شعب واحد) لاحساسي بانهم شعروا بصعوبة حركتي واضأوا لي الشارع وقبل ان انطق بتلك العبارة اوقفتني السيارة التي خلفي وهتف احدهم (ارفعوا الوهم دا) وصاح اخر (يا زول ماتمثل علينا) وقال اعقلهم( يازول انت جاي من وين وماشي وين) ورد اخر (دا استخبارات ارفعوه فلول كلب) حينها ادركت انني تحت (كماشة وزردية ومفكات) الدعم السريع فقلت لهم بثقة( انا جاي من المسجد وماشي البيت) فرد افظعهم لفظاً وابشعهم خلقاً وافخرهم جسداً (يازول اتكلم كويس وما تمثل) فقد لاحظ صعوبة في خروج الكلمات عندي فقلت ( انا ما بمثل انا مريض و مصاب و راسي دا فيهو اربعة جلطات وانت شايف براك حالي عاوزيني ترفعوني ارفعوني عاوزين تكتلوني اكتلوني هو الموت دا كم) حينها نادي علي من يجلس بالكابينة الامامية و يبدو انه كبيرهم فتقدمت نحوه بخطوتين ثقيلتين فقال لي( نحن ما بنكتل ساي انت ساكن وين وجاي من وين) وكرر ذات الاسئلة و اعدت عليه ذات الاجابات السابقة فكان رده (سمح بيتكم وين) قلت وانا اشر بيدي نهاية هذا الشارع فالتفت يسارا واخذ شئ بيده اليسري من داخل الكابينة ثم مده لي بيده اليمني فوجدتها قارورة عصير (باااارد) وقال لي اتفضل امشي ونحن بنشوفك من هنا… امسكت قارورة العصير بذات اليد التي عليها العصا التي تساعدني في الحركة واتجهت نحو بيتنا.. وللحكاية بقية…
سلام
كتبه / *النازح المُشرد الذي ذاق ما ذاق فاقد المأوي وكاره النفاق ومنتظر الاتفاق في ظل اللا اخلاق وأرواح تزهق ودماء تراق*
محمد طلب