سعد محمد عبدالله يكتب : السؤال عن كهرباء بورتسودان مع وجود القائد مالك عقار وعدد من الوزراء في المدينة

السؤال عن كهرباء بورتسودان مع وجود القائد مالك عقار وعدد من الوزراء في المدينة
سعد محمد عبدالله
لقد طالعتُ المقال المخطوط بقلم الأستاذ الصحفي محي الدين شجر “صحيفة الصيحة”، وجاء تحت عنوان “عقار ببورتسودان فهل من جديد حول كهرباء المدينة؟”، وهنا الإشارة لمشروع المحطة الحرارية “كلاناييب” التي تقوم علي أمرها الآن لجنة شعبية شبابية علمتُ بانها قد إلتقت عدد من الجهات الحكومية لبحث معالجة مشكلة الكهرباء والمياه ببورتسودان، وإشارة آخرى طرح سؤال عريض وعميق باسلوب من الذكاء للصحفي شجر حول قضايا الحقوق التنموية لمجتمعات تقطن في إقليم شرق السودان الإستراتيجي من حيث الجغرافيا والغني بنفائس المعادن والزراعة والرعي والتجارة والسياحة، وتمثّل هذه البقعة البوابة الشرقية المفتوحة للسودان ومعبرًا إستراتيجيًا لجواره من المحيط الإقليمي للولوج إلي العالم الخارجي عبر الموانئ المطلة علي البحر الأحمر، والمدينة تربط بلادنا بدول كثيرة سيما الخليج وقارة أسيا وتتسع لحركة الملاحة البحرية حيث تكون التجارة الوطنية والإقليمية مع العالم أجمع، ورغم تلك الإمكانيات والثروات الهائلة ما زال السؤال قائم عن لماذا مجتمعات بورتسودان تعيش التهميش والفقر ويلف الظلام حواجب المدينة؟.
هذا جانب من الحال المحزن الذي صوره الأستاذ شجر في مقاله الصحفي ومقابلته علي قناة السودن والإشارات الذكية للمسؤليين الذين ينظرون للوضع وهم قلب الحدث، وما هذا إلا بعض أجزاء الصورة مما شاهده في “المدينة المظلمة” التي تزداد درجات الحرارة فيها فوق ما يتوقع أو يتحمل الإنسان مع إنقطاع الكهرباء والمياه وتدهور كل الجوانب الخدمية الآخرى؛ فلي من الأصدقاء من تحدثتُ إليهم حول أوضاع الناس هناك ولم أجد أقل من المشهد المُصَوّر في المقال “موضع الحديث”، ولكن هذا الوضع المأساوي يرجع لسوء إدارة الموارد وللسياسات المتبعة آنفاً في توزيع فرص التنمية الإقتصادية من قبل المركز القابض علي كل الموارد والمتحكم في التخطيط التنموي، وهذه السياسة يجب أن تنتهي، ولا ينبغي أن نعتمد علي المنح الخارجية والعطايا لأننا نملك كل ما يلزم لإحداث التنمية الشاملة خاصة مع التغيير الحاصل في البلاد، وقد كد وجد الشباب في سعيهم لإكمال تلك المحطة لكن في المستقبل يجب وضع تشريعات جديدة تكون فيها التنمية العادلة للأرياف ومدن الأقاليم المهمشة بحجم الموارد التي تمتلكها أي بمعنى الإهتمام بمواقع الإنتاج في الريف وليس تسخير موارد الريف فيما لا يخدمه ولا يفيد شعبه المطهد والفقير رغم الغناء، لذلك يجب ترتيب الأوليات لصالح المجتمعات المنتجة وتنظيم العلاقة الإقتصادية بين المركز والأقاليم بحوكمة إدارة الموارد.
وجود عدد كبير من المسؤليين السودانيين ببورتسودان علي رأسهم القائد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة بعد عودتهِ للبلاد مؤخرًا تُعتبّر فرصة جيدة للإطلاع عن قرب علي قضايا الخدمات الأساسية لمجتمعات شرق السودان ككل وبورتسودان بشكل خاص وهو ليس بعيدًا عن ذلك بل من مسؤلياته إدارة دولاب الدولة وخدمات المواطنيين عبر المستويات المختلفة للحكومة، والحكومة السودانية رغم ما يدور حاليًا في بلادنا إلا أنها مطالبة بجواب صريح فيما يخص الكهرباء والمياه والحل العاجل لمشكلة الخدمات، ومحطة “كلاناييب” إذا إكتمل العمل بها سوف ترفع المعاناة عن ملايين المواطنيين؛ لكن المعضلة الرئيسية تتمثل في إزالة الأوهام التي رسمها النظام البائد بترويج أكذوبة أنه يقوم بتنمية بورتسودان بينما كنا نشاهدهم ينهبونها جهرًا، وقضية بيع المرافق التعليمية كانت ملتهبة أمام المحاكم وتصدت لها الهيئة الشعبية حتى سقوط النظام المباد، ونستدل بذلك كنموذج للوضع السائد سابقاً مما أنتج العديد من الأزمات، وقد شاهدنا أيضاً المشكلات المتعلقة بخلل توظيف الموارد وتوزيع المشاريع التي يتم تنفيذها تحت لافتات “خدمات قومية” بينما في الواقع لا تجد فيها تلك الصفة إنما شيئًا آخر؛ فتلك المشاريع التنموية يجب أن يكون هدفها الأساسي هو رفع الإنتاج وتحسين معاش المواطن وليس إستثمارًا إستغلاليًا من أجل تحصيل عوائد ومنافع لصالح طغمة محددة لا توفر أقل الحقوق التنموية للمواطنيين المهمشيين الذين يعيشون في تلك المناطق.
قضايا التنمية في شرق السودان وبورتسودان لها أبعادها وتاريخها الممتد والمعروف للجميع وإنعكاساتها السالبة علي الحياة اللإجتماعية العمومية والدولة بشكل خاص، والإقتصاد الوطني السوداني يتشكل بنسبة كبيرة من مقدرات شرق السودان كما الأقاليم الآخرى، وهنالك تراكمًا للإهمال والتجاهل والتهميش مورس طوال العهود التي عاشها السودان في ظلمات الصراعات السياسية، ويجب إصلاح ذلك الخطأ الذي أوصلنا لمرحلة التدهور المريع في الخدمات الأساسية البسيطة، وينبغي علينا إعادة النظر في مسببات التهميش وتردي الخدمات والبحث عن العلاج الأنجع في إطار خطط توضع لحل كل قضايا السودان مع مراعاة الأولوية للمناطق المنتجة والمهملة حتى أضحت “الأقل نموًا أو الأكثر فقرًا”، وعندما نتحدث عن قضايا التنمية الشاملة والعادلة نعني إحياء المشاريع الزراعية والرعوية والصناعية وتوفير الخدمات الصحية والأمن المائي والغذائي والدوائي، وقبل ذلك يجب تنمية الإنسان من خلال تغذية العلوم والمعارف الكونية وتطوير مهاراته للتعامل مع البيئة التي يعيش فيها، ومن المهم جدًا إيجاد فرص عمل متكافئة للجنسيين مع تساوي الأجر في الإنتاج دون فرز، ومن أهم المسائل المفتاحية لبناء دولة السلام والعدالة الإجتماعية والإقتصادية البحث عن آليات قانونية ضمن معادلة إصلاحية واسعة لتوظيف الموارد المتاحة بشكل منصف وعادل توجه فيها الجهود الوطنية لصالح تحقيق التعميير في كافة الأقاليم السودانية، ومن هذه السياسات ستنبلج شمس بورتسودان الجديدة.
12 أغسطس – 2023م