محيي الدين شجر يكتب : نفرة الزكاة بالبحر الأحمر… عندما تتحول الرعاية الاجتماعية إلى مشروع وطني لإنقاذ الناس
محيي الدين شجر يكتب :
نفرة الزكاة بالبحر الأحمر… عندما تتحول الرعاية الاجتماعية إلى مشروع وطني لإنقاذ الناس
رأي : سودان سوا
في زمنٍ تتكاثف فيه الأزمات ويضيق فيه الحال على المواطنين، تبرز مبادرات قليلة تستطيع أن تُحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس. ولعل نفرة المصارف الكبرى – الوثبة الثانية 2025 التي دشنها رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس بولاية البحر الأحمر، تعد واحدة من أهم هذه المبادرات وأكثرها تأثيراً، ليس فقط لحجم تمويلها أو اتساع دائرة المستهدفين بها، ولكن لما حملته من رسائل سياسية واجتماعية عميقة.
فالنفرة التي تستهدف 49,188 أسرة وبقيمة تتجاوز 10 تريليونات جنيه سوداني، لم تكن مجرد فعالية رسمية تُلتقط فيها الصور، بل كانت احتفالاً ضخماً بقدرة الزكاة على أن تظل صمام أمان لمجتمع يواجه واحدة من أصعب الفترات في تاريخه الحديث.
إنها رسالة بأن الدولة، رغم الحرب وتحدياتها، ما زالت تمسك بمفاصل الدعم الاجتماعي وتعمل من أجل الناس.
ديوان الزكاة… مؤسسة تُدهش بمستوى الأداء والتنظيم
ما حدث في بورتسودان لم يكن صدفة.
فالمشروعات التي شملتها النفرة—من الدعم الغذائي والعيني، إلى الرعاية الاجتماعية، إلى الإغاثة والطوارئ، مروراً بالمشاريع الإنتاجية والخدمية—تكشف عن حجم عمل ضخم تقوده أمانة ديوان الزكاة بالبحر الأحمر، مدعوماً برؤية واضحة من الديوان الاتحادي الذي أثبت حرصه على أن تكون الزكاة في مقدمة مؤسسات الخدمة الاجتماعية في السودان.
المدهش في الأمر أن كل مشروع داخل النفرة بُني على دراسة دقيقة لاحتياجات الناس، وأن المستفيدين الحقيقيين هم الذين يصنعون الفرق، وليس قوائم مجاملة أو توزيعاً استهلاكياً بلا أثر.
هذا عمل مؤسسي حقيقي يستحق الإشادة.
حضور رئيس الوزراء… رسالة تضع الزكاة في مكانها الصحيح
ومن أكثر ما لفت الأنظار أن رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس حضر هذه النفرة رغم وجود فعالية أخرى في ذات التوقيت.
هذه الخطوة وحدها تكفي لتأكيد اهتمامه بالتجربة، وإيمانه بأن الزكاة ليست مجرد مؤسسة تقليدية، بل أداة وطنية لاستقرار المجتمع ومحاربة الفقر، وهو ما قاله بوضوح:
“محاربة الفقر تأتي ضمن أولويات حكومة الأمل.”
إن وجود رئيس الوزراء بين المستفيدين، وهو يتفقد المشروعات، ويتجول في المعرض، ويستمع لشرح أمين ديوان الزكاة عبد القادر حسن عبد القادر، يبعث برسالة مفادها أن الدولة تراهن على الزكاة كصمام دعم ومؤسسة صلبة قادرة على سد الفجوات في مرحلة حرجة للغاية.
نفرة بضخامة معنى…
ولعمري، إن هذه النفرة ليست مجرد حدث إداري أو اجتماعي.
إنها حالة وطنية تؤكد أن التكافل ما زال حياً، وأن الدولة—برغم الحرب والضيق—لا تزال قادرة على أن تقدم شيئاً للناس، وأن تحفظ كرامتهم، وأن تمد لهم يد العون في وقت تتراجع فيه كثير من المؤسسات الأخرى.
هي نفرة كبيرة بالمعنى والأثر؛ كبيرة بحجم العمل، بحجم الأسر المستفيدة، بحجم الالتزام الأخلاقي الذي قدمه ديوان الزكاة ووزارة الموارد البشرية، وبحجم الرسالة التي بعثت بها حكومة الأمل إلى مواطنيها:
أنتم لستم وحدكم، وما زال في الدولة نبض حي يعمل من أجلكم.
ختاماً…
هذه النفرة ليست نهاية الطريق، بل بداية جديدة.
وإذا استمرت بهذه الروح، وبهذا التنظيم، وبهذه الرؤية التي تتجاوز الروتين نحو الفعل الحقيقي، فإن الزكاة ستظل واحدة من أهم مؤسسات الأمان الاجتماعي التي يعتمد عليها الناس في أصعب الظروف.
إنها—حقاً—نفرة تتنزل فيها البركات، ويتجدد فيها العطاء… كما يليق بولاية البحر الأحمر، وكما يليق بمؤسسة وطنية أثبتت أنها تعمل لا لتحتفل، بل لتُنجز.
محيي الدين شجر