من هي المرأة التي غيّرت معادلة المال في النيل الأبيض؟
فاطمة الحاج… وزيرة مالية تعيد الانضباط والهيبة للمال العام في النيل الأبيض
بقلم: محيي الدين شجر
لم يكن صعود الأستاذة فاطمة الحاج الطيب إلى منصب وزير المالية المكلّف بولاية النيل الأبيض حدثًا عابرًا أو صدفة سياسية، بل خطوة طبيعية لشخصية تحمل رصيدًا كبيرًا من الخبرات المهنية والعملية، ووعيًا دقيقًا بمعضلات المال العام في الولايات. فالمتابع لمسار الولاية خلال السنوات الماضية يدرك حجم التحديات التي واجهتها، خاصة ما ارتبط بها من ضعف الشفافية وتراجع الالتزام بالضوابط المالية، ما جعلها في حاجة مُلحّة إلى قيادة حازمة وقادرة على إحداث التحول المطلوب.
منذ اليوم الأول، برزت فاطمة الحاج بقدرتها على ضبط المال العام وترتيب البيت المالي الداخلي، عبر تطبيق صارم لنظام الإيصال الإلكتروني (إيصالي) الذي أغلق واحدة من أخطر الثغرات التي كانت تؤدي إلى تسرب الأموال وتبديد الإيرادات. ووفقاً للمعطيات المتداولة داخل الولاية، فقد حققت الوزيرة قفزة كبيرة في حجم الإيرادات خلال فترة وجيزة، ما يعكس دقة المتابعة وقوة الرقابة وإرادة حقيقية في إعلاء المصلحة العامة على أي اعتبارات أخرى.
لقد أعادت فاطمة الحاج إلى الأذهان عهود النساء القائدات في الإدارة المالية السودانية؛ فذكّرتني شخصيًا بتجربة الأستاذة محاسن عبد الله وزيرة مالية البحر الأحمر في فترة سابقة، تلك المرأة التي صنعت فارقًا واضحًا في الأداء المالي، كما تذكّرنا بالنموذج الملهم للسيدة آمنة ميرغني حسن التي تدير الآن بنك السودان المركزي بكفاءة واقتدار، إضافة إلى الأستاذة محاسن علي يعقوب وزيرة الصناعة والتجارة، والأستاذة رحبة محمد سعيد التي تتولى إدارة هيئة المواصفات والمقاييس. هؤلاء النساء وغيرهن أثبتن أن الإدارة والشفافية والانضباط المالي ليست حكرًا على الرجال، وأن معيار النجاح الوحيد هو الكفاءة.
إن نجاح الوزيرة فاطمة الحاج في النيل الأبيض لم يكن وليد اللحظة، بل جاء نتاج خبرات ثرة وتجارب باهرة راكمتها عبر سنوات من العمل العام والإداري، وهو ما جعل اختيارها لهذا الموقع قرارًا موفقًا بكل المقاييس. فالولاية كانت تحتاج إلى شخصية تمتلك الإرادة السياسية والمعرفة الفنية لإعادة الثقة إلى مؤسساتها المالية، وهذا ما تحقق بالفعل خلال فترة قصيرة من توليها المسؤولية.
اليوم، ومع تشديد الرقابة، وإغلاق منافذ الهدر، وإعادة ترتيب أولويات الصرف، واستعادة هيبة الخزانة العامة، يمكن القول إن ولاية النيل الأبيض بدأت فعليًا مرحلة جديدة من الانضباط المالي بفضل قيادة واعية تعرف أين تضع قدمها، وتدرك أن المال العام ليس مجرد أرقام وإنما أمانة وطنية ومسؤولية أخلاقية.
إن تجربة الوزيرة فاطمة الحاج تستحق الإشادة، ليس فقط لأنها نجحت، بل لأنها أثبتت أن الإدارة الرشيدة ممكنة حتى في أصعب البيئات، وأن المرأة السودانية قادرة على تقديم أداء يُحتذى به في أهم ملفات الدولة وأكثرها تعقيدًا.