بين “شيلوه” و”خلوه”: قراءة هادئة في حملات النقد بالولاية الشمالية/ بقلم معتصم عثمان
بين “شيلوه” و”خلوه”: قراءة هادئة في حملات النقد بالولاية الشمالية
بقلم : معتصم عثمان
حسب معرفتي بالوالي السابق للولاية الشمالية، الأستاذ عابدين عوض الله، ومرافقتي له خلال فترة ولايته، فإن أكثر ما كان يميزه نشاطه وهمته العالية واستجابته السريعة للطوارئ في كل محليات الولاية، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو أمنية أو غيرها. فقد كان الرجل شعلة من الحركة والمسؤولية، حتى يخيل لك أن الوالي في منافسة مع نفسه للوصول إلى كل بيت داخل الولاية لمعرفة مشكلته والشروع في حلها بكل الوسائل الممكنة.
وكان إخلاصه ظاهرًا للعيان ولكل المراقبين؛ ففي خريف عام 2023—حين ضربت الولاية موجة كبيرة من الأمطار والسيول وبلغ عدد المنازل المتأثرة أكثر من 27 ألف منزل، كأول سابقة من نوعها تواجهها الولاية—كنت شاهدًا على جولات الوالي من أقصى شمال الولاية إلى جنوبها، برفقة حكومته وأعضاء لجنة الأمن والجهات المختصة كالزكاة ووزارة الصحة والتنمية الاجتماعية.
ورغم هذا النشاط والفعالية، واجه عابدين حملة إعلامية متواصلة ومتزايدة بحجة أن المرحلة تتطلب والياً عسكريًا، بسبب التهديدات المستمرة من مليشيا الدعم السريع بمهاجمة الولاية. وكانت الرسالة المتداولة وقتها هي أن تحديات اللحظة تستوجب التغيير إلى قيادة عسكرية. وكتب كبار الصحفيين والصحفيات يؤكدون أهمية التغيير، وهي موجة استهدفت شخصيات عديدة، فأثرت في اتخاذ القرار؛ خاصة أن الرؤية بدت منطقية، والتهديد حقيقي، فتم العزف على هذا الوتر الحساس لصالح التغيير ومن أجل كلمة “شيلوه” التي نراها اليوم تظهر مرة أخرى.
ومع تولي الوالي الحالي الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد منصبه—وهو لم يكمل سبعة أشهر—أظهر خلال الأشهر الأولى نشاطًا واضحًا في عدة محاور: معالجة قضايا المقاومة الشعبية وإعادة هيكلتها، التعامل بحزم مع التفلتات، تعزيز البنية التحتية والطرق، متابعة الوضع الصحي، ومواجهة الأمراض مثل حمى الضنك، إلى جانب حملات النظافة البيئية وتحسين قطاع الصحة العامة.
وبفضل هذه الجهود التي قادها الوالي، تمكنت الولاية من الحد من انتشار المرض ومنع تحوله إلى كارثة، كما ارتفعت ثقة المواطنين في جاهزية الأجهزة الأمنية والقوات النظامية في التصدي لأي محاولات تستهدف استقرار الولاية.
ومع استمرار التهديدات الأمنية من المليشيا المتمردة والضغوط المرتبطة باستهداف البنى التحتية، كان تفكير الوالي خارج الصندوق، فظهرت فكرة توطين الصناعات الدوائية كخطوة محورية. فمشروع إنتاج مصل العقرب، وإنشاء مصنع للأمصال في الشمالية، يعكسان رغبة حقيقية في تحقيق إنجاز غير مسبوق لأهل الولاية، وإزاحة هذا الهم الكبير الذي لا يعرف تبعاته إلا مواطنو الشمالية. كما تعكس هذه الخطوة أهمية تقليل الاعتماد على الإمدادات الخارجية وتعزيز الجاهزية الصحية للولاية.
ما دفعني لكتابة هذا المقال هو لغة الحملات الإعلامية التي تغيرت بعد تكليف الفريق عبد الرحمن عبد الحميد؛ إذ أشاد الكثيرون بقدرته على حسم الملفات الأمنية، وهو ذات السبب الذي تمت به إقالة الوالي السابق. وهذا يؤكد أن أغلب الكتابات التي ظهرت كانت انفعالية وسطحية، تُظهر مزاج الكاتب أكثر مما تعالج مشكلات الولاية، وتفتقر إلى العمق المطلوب في مثل هذه القضايا.
إن حكومة الولاية الشمالية بقيادة الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد تواجه تحديات أمنية وإنسانية متداخلة، لكنها تبدي قدرة ملحوظة على التكيف والتنسيق بين الجهازين التنفيذي والأمني. كما أن السعي لتوطين الصناعات الدوائية يشكل ركيزة استراتيجية لتعزيز السيادة الصحية وتقليل الاعتماد على الموارد الخارجية، مما يدعم قدرة الولاية على مواجهة التحديات المستقبلية.
أما المتابع للاستكتاب الصحفي خلال الفترة الماضية فيلحظ بسهولة انتشار كلمات مفتاحية مثل: “شيلوه” – “خلوه”. ظهر الذباب في بورتسودان فكتبوا “شيلوه”، وقع حادث قتل في الشمالية فقالوا “شيلوه”.
رجاءً… ارتقوا إلى مستوى الكتابة التي تعالج، وتساهم في الحلول، وتقدم الأفكار، وتعكس هموم المواطن. فرجل الدولة أيضًا يحتاج إلى الإعانة والتفكير الإيجابي، لا إلى مزاجية العناوين الطارئة.