محيي الدين شجر يكتب: وزير يوقف قرار رئيس الوزراء… ويُعطِّل أمين الحج من الخارج!

محيي الدين شجر يكتب:

وزير يوقف قرار رئيس الوزراء… ويُعطِّل أمين الحج من الخارج!

قرأتُ تصريحاً صادماً لوزير الشؤون الدينية والأوقاف، بدا غريباً ومخالفاً لكل ما استقر عليه العمل المؤسسي في السودان. فقد كشف الوزير بشير هارون، في تصريح لصحيفة الشعب، أنه طلب من الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة عبد الله سعيد إرجاء مباشرة مهامه الرسمية مؤقتاً، إلى حين عودته من المملكة العربية السعودية خلال اليومين القادمين.

المفارقة أن الأمين العام عُيِّن قبل أيام فقط بقرار من رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس، ووجّه القرار لوزارة الشؤون الدينية بالتنفيذ الفوري من تاريخ التوقيع. لكن يبدو أن للوزير رأياً آخر… أو بالأحرى رغبة في تعطيل قرار حكومي صدر من أعلى سلطة تنفيذية.

ولأول مرة في ذاكرة الخدمة المدنية، يطلب وزير من أمين عام لا يتبع له إدارياً ولا يملك عليه أي سلطة قانونية، أن يوقف عمله إلى حين عودته.
فالقانون واضح: الأمين العام للمجلس الأعلى للحج والعمرة لا يخضع لتوجيهات وزير الشؤون الدينية، ولا يحق للوزير تعليق مهامه.

والحقيقة أن هذا السلوك من الوزير ليس جديداً. فمنذ أن أدى القسم قبل أشهر، أصدر قرارات بتعليق إجراءات الحج والعمرة، وأوقف عمل المجلس، ومنع سفر مسؤوليه، ثم انتهى بتوصية لإعفاء الأمين العام السابق.
وقتها كان الخلاف قانونياً ولائحياً، لكن الوزير أصر على الإقصاء؛ فجاء قرار الإعفاء بناءً على توصيته. واليوم يتكرر المشهد مع الأمين العام الجديد، وبالطريقة نفسها.

الأغرب أن الوزير برر خطوته بأنها تأتي «حرصاً على تنظيم العمل وضمان التنسيق الكامل بين الوزارة والمجلس»، وأن الهدف هو «تزويد الأمين العام بالتوجيهات اللازمة قبل مباشرته مهامه».
وإن صحّ هذا التبرير، فهل يحتاج “التنسيق” إلى وقف الأمين العام عن العمل؟
وهل عجزت وسائل الاتصال الحديثة — من خطاب رسمي أو توجيه مكتوب — عن تحقيق هذا الهدف دون افتعال أزمة؟

الواقع أن الوزير يظهر إصراراً مستمراً على التدخل في عمل المجلس الأعلى للحج والعمرة، ما تسبب في أزمات سابقة متتابعة بلا مسوّغ قانوني. ومن الواضح أنه يحاول الإمساك بكل مفاصل المجلس، وكأنه يطمح للقيام بمهام الأمين العام بنفسه.

وبناءً على ذلك، نوجّه نصيحة صادقة لرئيس الوزراء:
إذا كان الوزير راغباً إلى هذا الحد في ممارسة اختصاصات الأمين العام، فالأجدر — حفاظاً على هيبة الدولة وانضباط المؤسسات — إعفاؤه من منصب الوزير وتعيينه أميناً عاماً للمجلس الذي لا يتوقف عن التدخل في شؤونه.

فالوزير، خلال فترة الثلاثة أشهر التي حدّدها رئيس الوزراء لتقييم أداء الوزراء، لم يقدم سوى الخلافات:
خلاف طويل مع الأمين العام السابق سامي الرشيد ، صمت كامل خلال فترة شغور المنصب، ثم إثارة جديدة للحيرة بعد تعيين أمين عام جديد عبر توجيه غير مسبوق: “لا تباشر عملك حتى أعود”!

ويبقى السؤال الكبير:
هل نحن أمام وزير يلتزم بلوائح الدولة؟
أم أمام مسؤول يتصرف وكأنه السلطة الأعلى فوق قرارات رئيس الوزراء نفسه؟

فحين يستطيع وزير تعطيل مهام مسؤول عيّنه رئيس الوزراء — وبـ«تعليمات هاتفية» من الخارج — فإن ذلك يشكل سابقة خطيرة تهدد مبدأ سيادة القانون، وتفتح الباب أمام أي مسؤول لتعطيل القرارات الرسمية متى شاء.

وهنا يكمن الاختبار الحقيقي للحكومة في مرحلة تقييم الوزراء:
هل ستسمح باستمرار وزير يختبر حدود صلاحياته عبر افتعال الأزمات؟
أم ستعيد الأمور إلى نصابها بقرار يعيد للدولة هيبتها وللقانون سلطانه؟