الباقر عكاشة عثمان يكتب : المقاومة بين اندفاع اللحظة وصلابة البناء
الباقر عكاشة عثمان يكتب :
المقاومة بين اندفاع اللحظة وصلابة البناء
رأي : سودان سوا
منذ بداية النفرات الشعبية كانت قناعتي أن الاستجابة الواسعة مهما بدت مبهرة لا تكشف حقيقة القوة ما لم تسندها إرادة راسخة وتنظيم محكم وسيظل الحماس طارئا والاندفاع عابرا بينما تبقى العزيمة المنظمة هي الميزان الذي تُقاس به قيمة الرجال
ولذلك ظل تقديري يقوم على قاعدة واضحة فالمجاهد بنفسه أعظم منزلة ويليه المتبرع بماله ثم ياتي صاحب القلم الأمين فهو خط الدفاع الأول عن الوعي.
زيارتي لمعسكر البرقيق بصحبة ممثل والي الولاية دكتور عبدالرحمن فقيري والسيد وزير المالية المالية الامير حسن والفريق عبدالهادي رئيس المقاومة بالولاية كانت نقلة معرفية كشفت لي معدن الشباب حين يصدقون العهد رأيت وجوها تشبعت إيمانا حملت السلاح يقينا وأقداما تتقدم نحو الجبهات طوعا لا طلبا لثناء ولا سعيا لسمعة.
هؤلاء الشباب هم الطاقة الكامنة التي غيرت المعادلة وهم السند الذي التحم بالقوات المسلحة والمساندة والمشتركة والمستنفَرين من ضمن سائر الأجسام فأعادوا ترتيب موازين القوة على الأرض ففي هذا الوقت المفصلي
جاء تعيين الفريق عبد الهادي على رأس المقاومة الشعبية بالشمالية إيذانا بمرحلة جديدة مرحلة ضبط الرؤية قبل السلاح، وتنظيم المال قبل العتاد والفرز بين من تقدّم إيمانا ومن تقدم استعراضا فكان الصرف راسيا على الكتائب التي اخذت موقعا خارج المدينة
فالدفاع عن الولاية امتحان لا يجتازه إلا أصحاب العزائم ولا مكان فيه للمزايدات أو الطامعين أو من يختبئون خلف الشعارات اما عن
الخطر الذي يهدد المجتمع اليوم ليس في ميادين القتال وحدها بل في الفضاء الداخلي الذي يستهدفه المروّجون للفوضى والشائعات والظواهر السالبة
فالبعض يرفع شعار دعم الجيش بينما يطعن في رموزه وأدواره بدس لسم في الدسم واقول لهؤلاء ان هذه المعركة لا تقل خطرا عن أي مواجهة عسكرية، لأنها تستهدف الثقة وتمس وحدة الصف وتضرب تماسك المجتمع في جذوره فتدريب أكثر من سبعين ألف شاب في الفترة السابقة في القرى والحلال يمثل قوة بشرية هائلة لكنها تحتاج إلى تنسيق بين هذا الكم والاجهزة الامنية المختلفة وإلى شراكة بين الحكومة واجهزتها والمجتمع.
لا شرطة تستطيع الوجود في كل شارع ولا دولة تقدر على مكافحة الفوضى والظوهر الدخيلة ومعاول وافرازات الحرب دون وعي شعبي يساندها
والحفاظ على الأمن اليوم يبدأ من البيت والحارة والقرية والمربع قبل أن يصل إلى الثكنات
الكلمة الصادقة اليوم سلاح والصوت الوطني حصن لا يقل قوة عن السواتر الترابية فالإعلام الحق ليس ناقلا للخبر فحسب بل محصنا للجبهة الداخلية وكاشفا لخطط التضليل وصانعا لوعي يحفظ اللحمة الوطنية من الاختراق.
إن حماية الولاية الشمالية والوطن كله لا تبنى على عدد المستنفَرين ولا على صخب الشعارات بل على الإرادة التي لا تهتز وعلى الشباب الذين آمنوا بقضيتهم و إعلام يصون الوعي ومجتمع يستشعر مسؤوليته تعمل هذه الجهات سويا على مواجهة صريحة مع كل محاولات الهدم بهذا التنسيق سنتجاوز المرحلة الاستثنائية من حالة طارئة إلى مشروع وطني راسخ يحمل الأرض وأهلها إلى بر الأمان