مفاجأة مدهشة… كيف وجد صدف البحر الأحمر طريقه إلى كرمة قبل 10 آلاف عام؟

كيف وصل صدف البحر الأحمر إلى كرمة قبل 10 آلاف عام؟
كرمة : بقلم محيي الدين شجر

خلال زيارتنا لمتحف كرمة الأثري بمنطقة الدفوفة في أقصى شمال السودان، شدت انتباهنا مفاجأة غير متوقعة: وجود صدف بحري قادم من البحر الأحمر ضمن مقتنيات تعود إلى ما قبل 10 آلاف عام.
هذا الاكتشاف يثير سؤالًا كبيرًا: كيف وصلت هذه الأصداف إلى كرمة رغم أن المسافة بين الموقعين تقارب الألف كيلومتر؟

داخل المتحف تُعرض مجموعات ثمينة تضم مخارز ورماح من العظام، وقلادات وأساور من عاج فرس النهر، وصدف من النيل أو من البحر الأحمر. وتشير لوحات المتحف إلى أن المواد المستخدمة آنذاك كانت تُجلب من مسافات بعيدة، ما يعكس شبكات اتصال وتجارة واسعة لحضارة كرمة في عصور ما قبل التاريخ.

ويوضح المتحف أن الصدف الكبير كان يُستخدم لحفظ الأشياء الصغيرة ومواد الصبغ، بينما كان الصدف الصغير المثقوب يدخل في صناعة العقود والحُلي. وتُعرض كذلك أساور عاجية استُخرجت من أنياب فرس النهر، ضمن مقتنيات تعود لفترة البرقة (5500–6000 قبل الميلاد).

كما تكشف المعلومات أن منطقة كرمة تضم أكثر من 130 موقعًا أثريًا من عصور مختلفة. وكانت أقدم هذه المواقع تقع في الصحراء حين كان المناخ رطبًا والنبات وفيرًا. لكن منذ 5000 سنة قبل الميلاد دفع الجفاف المجموعات البشرية إلى الاستقرار بالقرب من النيل، حيث ازدهرت حضارة كرمة لاحقًا.

وخلال الثلاثين عامًا الأخيرة، أسفرت الحفريات في مواقع مثل دوكي قيل، مدينة كرمة، الجبانة الشرقية، وفرس البرقة عن ثروة معلوماتية غير مسبوقة. فقد أصبح بالإمكان تتبّع تطور المجتمع النوبي منذ حقبة المزارعين الأوائل قبل 10 آلاف سنة وحتى ظهور الممالك القديمة.

أما متحف كرمة الأثري—أو “مجمع حضارة كرمة”—فقد افتُتح عام 2008 بالقرب من دنقلا، ليكون شاهدًا حيًا على واحدة من أقدم وأعرق الحضارات في أفريقيا، من خلال عرض مجموعة ضخمة من التماثيل واللقى والمواد التي تكشف حياة الإنسان في ذلك الزمن البعيد.