محيي الدين شجر يكتب: الشمال يخرج لسانه للمستهدفين ويرد على حملات التشويه
محيي الدين شجر يكتب: الشمال يخرج لسانه للمستهدفين ويرد على حملات التشويه
الدبة : محيي الدين شجر
في وقتٍ تتكاثر فيه حملات التشويه، وتضج منصات الميديا بادعاءات لا سند لها، تظهر الحقيقة واضحة لمن يقترب من المشهد بنفسه.
رحلتي إلى الولاية الشمالية لم تكن زيارة عابرة، تنتهي بانتهاء برنامجها بل كانت مواجهة مباشرة مع الواقع: واقع نازحين تقطّعت بهم السبل، وواقع مجتمعٍ أثبت — مرة أخرى — أن إنسانيته أقوى من كل حملات التحريض والاستهداف الممنهج.
و بين الدبة ومروي ودنقلا، اتضح أن الشمال لا يرد على الأكاذيب بالكلام كما يثرثرون … بل بالفعل.
عدتُ من زيارة طويلة إلى الولاية الشمالية؛ الدبة ومروي ودنقلا، وعايشنا المسيرات التي استهدفت سد مروي قبل أيام، وتصدّت لها المضادات المتيقظة لكل شاردة وواردة.
ووقفتُ مع عدد من الإعلاميين على أوضاع النازحين بمعسكر العفاض الذي يرعاه السيد أزهري المبارك، وهم طبعًا لا يختلفون عن أوضاع كل النازحين الذين فرّوا من مدنهم وقراهم خوفًا من بطش مليشيا الدعم السريع. هم مثل مواطني السريحة وود النورة وسنجة وقري مدني ومدني ذاتها الذين فرّ سكانها ومات بعضهم في الطريق.
أمثلة انتهاكات الدعم السريع كثيرة ومعروفة، ولا تحتاج إلى توثيق، بعد أن تكفّلوا هم أنفسهم بتوثيقها.
ولهذا لم تعجبني تلك الفيديوهات التي نشط بعض الناشطين في إعدادها بعد دخول المليشيا الفاشر لإثبات أن هنالك انتهاكات وقعت.. مع أن الانتهاكات المرتكبة من قبل الجنجويد والموثقة بأيديهم وكاميراتهم لا تحتاج إلى مقاطع فيديو إضافية ضعيفة الصناعة وباهتة الفكرة، ومعروف للقاصي والداني أنها مصنوعة ومخجلة من شدة ركاكتها.
جرائم الدعم السريع يُوثّقونها بأنفسهم لأنهم لا يعتبرون ما يقومون به جريمة أو خطأ، ولا يشعرون بالذنب لما اقترفته أيديهم.
المهم… في معسكر العفاض الروايات موجعة، ورحلات النازحين إلى الشمال كانت قطعة من جهنم.
هم اختاروا الشمال ولم يختاروا عاصمة تأسيس نيالا القريبة منهم، وللإجابة على سؤال: لماذا اختاروا الشمال؟ نجدها عند تأسيس، مما يشير إلى مؤشر خطير جدًا باستحالة عيش الفارّين مع قبائل الجنجويد في بقعة واحدة، ويعيد للأذهان تاريخًا دامياً من القتال والتصفيات التي تمت، وآخرها أحداث الجنينة.
وهذا يفتح مئات التساؤلات، ويعقّد المشهد أكثر مما هو معقّد.
في معسكر العفاض، أو معسكر أزهري المبارك، هنالك اجتهاد كبير من كل مجتمع الولاية الشمالية، رغم ما يعانونه هم أنفسهم بسبب شظف العيش. لكنهم معروفون بكرمهم، وبأنهم لا يحملون في قلوبهم أي غبائن، ولا يعرفون القبلية ولا يتعاملون بها.
ويكفي أن منسق إقليم دارفور، العمدة الطاهر، اعترف بنفسه بأن أهل دارفور وجدوا كل الاحترام والتقدير، وأبدى إعجابه بمبادرة طالبات في الثانوية بتسيير قافلة كاملة للمعسكر.
داخل المعسكر تتوزع المواد الغذائية في كل الاتجاهات، إضافة إلى الأواني المنزلية، وتم توزيع مفارش ومصالي ومراتب، وفي الطريق هنالك أسرّة ومراتب أخرى، وسيتم إنشاء مسجد من قبل أزهري المبارك .
وفي تقديري الخاص، فإن ما شاهدته في معسكر العفاض يؤكد أن عملًا كبيرًا تم، وأموالًا ضخمة صُرفت، وجهودًا حثيثة بُذلت؛ فالعدد كبير ويحتاج إلى ملايين الدولارات.
لكن هؤلاء هم أهل الشمال، الذين لم يلتفتوا إلى الإشاعات المغرضة، ولا إلى الاستهداف الممنهج من قبل جهلاء الميديا صباحًا ومساءً.
ما يجري في معسكر العفاض صورة صادقة لوجه الشمال الحقيقي؛ وجه لا تغيّره الشائعات ولا تُربكه الأبواق المدفوعة.
فبينما يختار الآخرون صناعة الأكاذيب، يختار أهل الشمال صناعة المواقف. وفي مقابلة حملات التشويه في الليل، يقدّم أبناء الشمالية في النهار ما يعجز عنه أصحاب الميديا من فعلٍ وإنسانية.
ولذلك، سيظل الشمال ثابتًا في مكانه، يرد على المستهدفين بما يعرفه جيدًا: الكرم، الشهامة، والعمل الذي لا يحتاج إلى دعاية.