الباشمهندس الاديب الرشيد العطا رحمة في يوم تكريم القامة الفنان الكبير محمد جبارة
الباشمهندس الاديب الرشيد العطا رحمة
في يوم تكريم القامة الفنان الكبير محمد جبارة

سلطان (النقرشة)
أتذكر كما أن الأمر كان بالأمس.. رغم مُضي ثلاثة أرباع قرن ونيف من حينها.
مدرسة الأراك الأوليه.. (خُرتايات) الكتب.. كرفسة الجلاليب.. وهلع القلوب الصغيرة من (تفتيش) وفضح ما تحتها من (شُمّارات) عند طابور الصباحات البريئه.. (كواري) الفطور المربوطة بإحكامٍ.. وحرص الأمهات الكادحات أن لا ينسكب ما بداخلها من زاد معظمه مات غرقاً في (قلية بصله)..
شقاوات الصِبية.. حين يطلقونهم بعد الحصة الأخيرة.. ينطلقون إلى مرابط فارهاتهم الحمير.. مختلفة أحجامها.. وألوانها.. ما اجمل (الرجعة) إلى أحضان الأمهات.. وما أبرع بعض قائدي تلك (الفارهات).. وهم يمتطونها بالمقلوب.
وما أعظم (علي اليوزباشي) و (سعد العنود).
وسط تلك الأجواء المكسوة ثياب الفطرة و (الجوطات) البريئة.. شب صبيٌ يختلف عن بقية التلاميذ.. بهي الطلعة.. وضاح الجبين.. هاديء الطبع جداً.. يتكلم فوق الهمس قليلاً.. مرتب الهندام أبداً…. (مُحُمّد جباره)…
تسابقت السنين.. كبرنا.. تشتتنا.. وليتنا ما كبرنا لنتشتت.
(في ربوع السودان)
.. من منّا لا يذكر ذلك البرنامج في أيام الجمع.. كم كنتي حلوةً يا (هنا ام درمان)!!
حينها كان سيد (السلوك الخمسة وقَدَحِها) العملاق (النعام آدم).. وجهابذةً آخرين… يهيمنون على مسامع وقلوب المستمعين..
وسط ذلك التحدي القاسي.. بزغ نجم (ود جباره).. وذلك و في عصر (النعام).. كان في حده ذاته نجاحاً با رزاً…..
حَقَبَ الجنا طمبوره.. وراح ينثر السعادة والفرح.. والدموع والحزن مراتٍ من خلال (ربوع السودان) في ربوع السودان.. الوطن الذي كان….
(شوفي الزمن يا يمه ساقني بعيد خلاس) 😢 بكينا بها ونحن في الوطن.. وأصابنا منها النواح طيلة إغترابنا.. وحتى هذه اللحظة.. ثم إنطلق ذلك الصوت المعبأ بسحرٍ فريد.. وشجنٍ طاغيٍ..وأسلاك خمسة ملك ذلك الفنان ناصيتها.. يسوقها حيث شاء.. مسجلاً إسمه من الأوائل في دفتر حضور الفن السوداني الأصيل…
كانت ليلة عرسٍ في (بيت المال – أمدرمان).. ما كنت أدري أنْ سيشرفها ود جباره… فجأة لمحت الشاعر (حُمد سعيد).. تلفعت (بيت المال) تلك الليلة ثوباً من حرير صوت ذلك الفنان الريفي البهيج.. ورقصت على تقاسيم أسلاك خمسة يخيل إليك من فرط سحر الأنامل أنها جوغة موسيقية كاملة.. بآلاتها الكامله.
ثم كانت ليلة محلها (المسرح القومي – أمدرمان).. يحييها ذلك الشاب الجميل (مُحُمّد).. حسن العطا رحمه الله.. كان من عشاق ذلك الفنان الكبير. زفّ إليّ الخبر… جلسنا على مقعدينا بالمسرح القومي. ومضينا نحلق في سماواتٍ كُتُرْ.
أذكر بعد انتهاء الحفل مضينا بشارع النيل (كُدُرْ) الحسن وأنا.. وعلى كتفي (مسجل) كان أهدانيه المرحوم عبدو سعد.. وكنت قد سجلت أغنيات تلك الليلة.. ورحنا نستمع إليها بأعلى صوت في طريق العودة.. وفي هدأة الليل كان صوت ذلك الفنان يغطي مساحات عريضة.. يحدث البنايات الشاهقات.. عن عظمة بويتات الطين في قرانا الساذجه.
أخوي (مُحُمّد).. يا ملك الطرب.. يا سلطان (النقرشه) نحن نحبك.. ما أجملك.. ومثلما (لون الخدار بين الهدوم خانس لبد)… حملناك بين الضلوع والوجدان في غربتنا…غير أنك ما خنست ولا لبدت.. بل غنيت ونقرشت.. وهبت أرواحنا في الغربة معنى أن تعيش. .
الرشيد العطا
مسقط
الجمعه 31 / 10 / 2025م