محمد طلب يكتب : *انا ود الحِلة*

 

الفنون تعبر بشكل ما عن شعوبها تأخذ وتعطي وتتفاعل و قد تعزز الانتماء الجغرافي والتاريخي او العكس كما أنها في ذات الوقت يمكن أن تعمل علي صناعة التغيير إذا تم العمل عليها بجدية وخطط وأهداف لصناعة تغيير ما …

هنا يطرأ سؤال مهم
هل الاداب والفنون تساهم في صناعة ثقافة الشعوب أم انها مجرد إنعكاسات لتلك الثقافات !!؟؟
أظن أنه سؤال كبير يحتاج لأهل العلم كي يفتوا فيه ..فأنا زول عنقالي سااااي و (دا ما موضوعنا)

العنوان أعلاه إقتباس من اغنية الفنان الراحل سيد خليفة و أظن ان شاعرها هو ابن شرق السودان ابو أمنة حامد …
*جاري وانا جارو .. ومتين اوزر دارو*
*بتمنالو الجنة وبتعذب بناروا*
*اقرب زول لقلبي ضيعني سماروا*
*جاري..جاري..جاري وانا جاروا*

ما يستوقفني في هذه الاغنية هو الاشارة الواضحة بعد النداء الي أنه (ودالحلة)

*يا بت انا ود الحلة*
*عاشق و حياة الله*

لن اتوقف عند القسم
(و حياة الله) وربما نفرد لهذا الموضوع مقالات أخري لكن لا أدري ما الغرض من تلك الاشارة وهل هي إشارة ترفع من أسهمه في نظر من يحبها ؟؟؟ وإضافة له في حال وجود منافس أترك الإجابة مع التأمل للقارئ الكريم

و هذا الإتجاه موجود في اغنيات ابو امنة حامد وكثير من الأغنيات السودانية الهابط منها وغيره وهي أغنيات تحمل مفهوم الانغلاق وتضييق الواسع في عوالم ومفاهيم الحب والجمال وصولاً للتزاوج والانصهار .. وطبعاً مفهوم (ود الحِلة) الضيق له سند من (ناس الحلة) ودفاعات (الجابك حلتنا شنو؟؟) في تحدٍ و منع وحراسة لحدود الحِلة و الفريق و البلد و هو ذات المفهوم الذي جعلني اكتب مقالاً مع ظهور قانون الوجوه الغريبة تحت عنوان *(قانون الوجوه الغريبة ليس غريباً)* فهو حقاً ليس غريباً بل مستمد من ثقافتنا المحلية و مفاهيم (الجابك حلتنا شنو ؟؟) لذلك احسب ان له الحق في القسم و (يا بت انا ود الحلة) لا أريد أن أجحف وأقول أنه نوع من الأنانية وحب الذات لكنها لا تخرج عن اغنيات (الانتماء الضيق) رغم ان مفاهيم الحب والخير والجمال أوسع من ذلك بكثير وليس حصرية علي (الحِلة)
*بت حارتنا وجارتنا بنريدا*
*سمحة سمحة الصيدة*
وتبقي (السماحة) حصرية في هذا البعد الجغرافي المحدود و كل متلقي يُنسب الجمال (لحِلته) وكل زول (بي حِلة بتاعو)…

وهذا النوع من الأغنيات كثير منه علي سيبيل المثال

*احلى جارة يا احلي جارة*
كما سمعنا في أغنية المرحوم عبد العزيز المبارك او ما قاله شاعر نفس الاغنية محور حديثنا
*بنحب من بلدنا ما برة البلد*
وهو إتجاه متناقض تماماً مع اغنية الطيب عبد الله( يا فتاتي) التي يقول فيها:-

*يا فتاتي ما للهوي بلد*
*وانا ما خُلقت في بلد بحماه الحب يضطهد*
للشاعر العباسي ايضاً في اغنية الطمبور و محمد جبارة في اغنية ( بت البلد)

*اليوم داك بت البلد ما جاءها نوم ما دام خيال ود البلد يمشي ويحوم*

وهي من انواع الغناء القصصي المصور (للماساة) والذي صور الزواج من الغريب مأساة

و الويل الويل لو عشق أحدهم بت حلتنا او حارتنا او جارتنا فيتربصون به تربصاً عجيباً بالذات لو كانت من الجميلات و تشتعل نيران الغيرة والحرمان والانانية
و الغريب انه لا حرج في أن تحب أنت من حلة او قرية أخري بينما حرام علي غيرك أن يعشق من بنات (حلتتا) وهذا يقع ضمن ازدواجية المعايرة و (انا المأمون علي بنات فريقو) وفي ذات الوقت (انا ما سرقت انا بس جيت اعاين) وصولاً الي مراحل :-
*داير انط الحوش دردرب يا رايقة هووي والعكاكيز فوقي ربرب. يا رايقة هوووي*

عزيزي القارئ وأهل التخصص ختاماً أترك لكم أمر التقييم في هذا التناقض و إزدواجية المعايرة في كل الأشياء وطرفي الحرب العبثية كلاهما (يكبر) و يقول إما (النصر او الشهادة) واحتفظ بحقي في اعتقادي ان الاغاني السودانية ساهمت في خلق وجدان مضطرب وتظل دعوتي للإنفتاح علي الاخرين من الشعوب السودانية وغيرها قائمة لتحقيق المقاصد الشرعية من الإختلاف و جعلنا شعوباً و قبائل..

سلام
محمد طلب