محيي الدين شجر يكتب : إنجاز التحول المؤسسي في الطاقة… السودان ينهض من تحت الركام

إنجاز التحول المؤسسي في قطاع الطاقة… السودان ينهض من تحت الركام
بقلم: محيي الدين شجر

في الوقت الذي تعيش فيه البلاد ظروفًا استثنائية بسبب الحرب وما خلفته من تعقيدات اقتصادية وإدارية، كان من السهل أن تتوقف كل المشاريع الاستراتيجية، وأن تنشغل المؤسسات فقط بإدارة الأزمات اليومية. فالبلدان التي تُهزم مؤسساتها في زمن الحرب، لا تجد ما تنهض به في زمن السلم. غير أن وزارة الطاقة بقيادة وكيلها، الوزير المكلّف وقتها  د. محيي الدين نعيم محمد سعيد، اختارت مسارًا مختلفًا منذ فبراير 2024، حين أطلق مشروع التحول المؤسسي لقطاع الطاقة ليكون نقطة انطلاق نحو المستقبل، وليس مجرد برنامج إداري عابر.

اليوم وبدعوة كريمة من إعلام وزارة الطاقة، حضرت  الورشة التي نظمتها الوزارة للمرحلة الثالثة من التحول المؤسسي حول تطبيق معايير التميز المؤسسي حيث  أكد وكيل الطاقة، مهندس التحول المؤسسي، أن هذه الورشة مفصلية، وأن التطور يجب أن يُؤخذ بجدية وبالمسطرة، مشددًا على أن الأهداف الموضوعة لن يتم التنازل عنها. وأضاف: “لابد أن تعي شركات الطاقة هذه المعلومة، لأننا نسعى لقيام شركات فاعلة عبر وسائل شريفة وعادلة. وأضاف : نحن ننشد العمل المتميز لا العمل العادي، ونموذج التميز الأوروبي الذي سنطبقه هو نموذج مجرب وناجح، ولا مجال للفشل عند تطبيقه.”

وهو تصريح يكشف عن صرامة الرؤية وإصرار على أن يكون قطاع الطاقة قدوة لبقية القطاعات.

ما يميز هذا المشروع في تقديري  أنه لم يُبنَ على اجتهادات شخصية أو حلول إسعافية، بل تأسس على معايير عالمية معروفة، أبرزها نموذج تميز الأعمال الأوروبي لعام 2013، وهو ما يؤكد رؤية الدكتور نعيم بأن التحول المؤسسي لا يمكن أن يتم إلا عبر أطر علمية مجرَّبة تضمن استدامة النتائج. هذا الإصرار على الالتزام بالمعايير العالمية في ظل حرب طاحنة هو رسالة واضحة بأن التنمية والإصلاح المؤسسي لا يجب أن يتوقفا مهما كانت الظروف.

لقد مر المشروع بثلاث مراحل متدرجة:

البداية بتأهيل قيادات قطاع النفط وتزويدهم بالجرعات الكاملة في القيادة.

ثم الانتقال إلى صياغة رؤية واضحة لقطاعي النفط والكهرباء وتأهيل القيادات الوسيطة، إضافة إلى 28 خبيرًا وطنيًا أصبحوا نواة حقيقية لقيادة التغيير.

وأخيرًا المرحلة الحالية، وهي مرحلة تطبيق معايير التميز المؤسسي، التي تُعتبر اللحظة الحاسمة لإحداث التغيير المؤسسي الشامل.
نجاح المشروع لم يكن ليتحقق لولا الرؤية العلمية والخبرة الواسعة التي يتمتع بها د. محيي الدين نعيم، فهو لم يكتفِ برعاية المشروع إداريًا، بل جعل منه أولوية وطنية، ووفر له الدعم رغم كل الصعوبات.

و مع اقتراب نهاية العام، يوشك قطاع الطاقة أن يعلن استكمال التحول المؤسسي، ليصبح نموذجًا يمكن لبقية القطاعات أن تحتذي به.

وأنا على يقين أن ما يقوم به د. نعيم لا يمثل مجرد إنجاز إداري، بل إعادة تعريف لدور المؤسسات في زمن الأزمات: أن تكون قادرة على الصمود والتطور معًا. وهذا ما يجعل تجربته في وزارة الطاقة درسًا بليغًا في أن القيادة ليست مجرد منصب، بل قدرة على صناعة الأمل وتحويله إلى واقع ملموس.

إن التحول المؤسسي الذي يُنجز اليوم وسط دخان الحرب، هو شهادة على أن السودان، إذا توفرت له الإرادة والرؤية، قادر على أن ينهض من تحت الركام بخطوات واثقة، تمامًا كما فعل قطاع الطاقة. وهكذا يثبت مشروع التحول المؤسسي أن الأزمات مهما كانت قاسية، يمكن أن تتحول إلى فرصة لبناء دولة المؤسسات.