خريطة جديدة لأفريقيا تمحو ظلماً تاريخياً استمر 5 عقود

متابعات / سودان سوا
أطلق الاتحاد الأفريقي مبادرة لتصحيح شكل القارة السمراء على الخرائط بعد قرون من التشويه، حيث تعرض الخريطة الجديدة أفريقيا بحجمها الحقيقي، بهدف تعزيز الفهم الجغرافي والعدالة البصرية في التعليم ووسائل الإعلام.
فلأكثر من خمسة قرون، شكّلت نسخة واحدة من خريطة العالم تصورنا للجغرافيا، وهو إسقاط مركاتور، الذي ابتكره رسام الخرائط الفلمنكي جيراردوس مركاتور عام 1569، يهدف في الأصل إلى تسهيل الملاحة البحرية. ولكن على الرغم من مزاياه التقنية، تُشوّه هذه الخريطة بشكل كبير النسب الحقيقية للقارات – وبالنسبة للكثيرين، حان الوقت لتصحيح الخطأ.
يتخذ الاتحاد الأفريقي اليوم إجراءاتٍ لتصحيح ما يعتبره تمثيلاً خاطئاً ومتجذراً للقارة الأفريقية. وقد حظيت هذه المبادرة بتغطية إعلامية واسعة، لا سيما في مقالٍ تفاعلي نشرته صحيفة واشنطن بوست في أغسطس 2025.
أطلق الاتحاد الأفريقي، الذي يمثل جميع دول القارة الخمس والخمسين، رسمياً مبادرةً للتخلي عن إسقاط مركاتور لصالح خريطة تُقدم انعكاساً أدق لكتل ​​اليابسة على الأرض، بدعم من جماعات مناصرة أفريقية مثل ” تكلموا بصوت عالٍ في أفريقيا” و “أفريقيا بلا فلتر” ، تُعدّ هذه المبادرة جزءاً من حركة أوسع تُعرف باسم ” تصحيح الخريطة”، وتُروّج هذه الحملة لإسقاط الأرض المتساوي ، وهو نموذج طُرح عام2018 ويُعطي المناطق الاستوائية مثل أفريقيا وأمريكا الجنوبية مقياسها الصحيح وفق ديلي جالاكسي.
قالت سلمى مليكة حدادي، نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، وفق رويترز: “قد تبدو مجرد خريطة، لكنها في الواقع ليست كذلك”، يُوسّع إسقاط مركاتور مساحات اليابسة القريبة من القطبين ويُقلّص تلك القريبة من خط الاستواء. ونتيجةً لذلك، تبدو جرينلاند أكبر من أفريقيا ، على الرغم من أن أفريقيا أكبر منها بأربعة عشر ضعفاً .
ليست مشكلة تقنية
يقول الناشطون إن هذه ليست مجرد مشكلة تقنية، بل رمزية. يوضح القائمون على مبادرة “تصحيح الخريطة”: “أفريقيا مُصوَّرة بشكل خاطئ على خرائط العالم، والأمر ليس مجرد مسألة جغرافية، بل هو انعكاس لكيفية رؤية العالم للقارة”.
من أخطاء خريطة مركاتور أن أمريكا الشمالية وأوروبا تبدوان كبيرتين بشكل غير متناسب، بينما أفريقيا – ثاني أكبر قارة من حيث المساحة – تبدو ضئيلةً بصرياً، وقد أثر هذا التشوه الجغرافي على أنظمة التعليم العالمية، بل وحتى على صنع السياسات، ووفقًا لموكي ماكورا، المدير التنفيذي لمنظمة “أفريقيا بلا فلتر”، فإن الاستخدام الواسع النطاق لمركاتور يُمثل “أطول حملة تضليل ومعلومات مغلوطة في العالم”.
يرى الخبراء أن الخيارات الخرائطية ليست محايدة أبداً. وقد رسّخت هيمنة مركاتور في الفصول الدراسية والمؤسسات حول العالم رؤيةً عالميةً مشوهة لدى أجيال من الطلاب. ولكن في العصر الرقمي، أصبحت هذه القضية أكثر إلحاحاً، إذ لا تزال منصات مثل خرائط جوجل، عند عرضها بتقنية ثنائية الأبعاد، تعتمد على إسقاط مركاتور، مما يُعزز هذا الخلل البصري.
الأرض المتساوية ومستقبلها التعليمي
بخلاف خريطة مركاتور، صُمم إسقاط الأرض المتساوية بدقة نسبية، وهو مبني على إسقاط روبنسون، مع تعديلات لزيادة حجم المناطق الاستوائية، يسمح هذا بتمثيل قارات مثل أفريقيا بحجمها الجغرافي الحقيقي، مع بعض التنازلات، خاصةً بالقرب من القطبين، حيث تقل دقة الشكل والزاوية، مع ذلك، يرى الكثيرون أن هذا الإسقاط تمثيل أكثر عدلاً لكوكبنا.
يعمل الاتحاد الأفريقي على تطبيق خريطة الأرض المتساوية كأداة تعليمية قياسية في الفصول الدراسية في جميع أنحاء القارة، وصرحت فارا ندياي، المؤسس المشارك لمبادرة “تحدثوا عن أفريقيا”: “نعمل بنشاط على الترويج لمنهج دراسي يكون فيه عرض خريطة الأرض المتساوية هو المعيار الرئيسي في جميع الفصول الدراسية الأفريقية”.
إعادة رسم الخريطة
في حين أن الأمم المتحدة ومنصات التكنولوجيا الرئيسية لم تتخلَّ بعد عن إسقاط مركاتور، إلا أن الزخم يتزايد، على سبيل المثال، اعتمدت ناشيونال جيوغرافيك إسقاط وينكل تريبل في تسعينيات القرن الماضي، وتستخدم أحياناً إسقاط مولويد، مما يُظهر أن البدائل متاحة وقيد الاستخدام.
كما توضح مبادرة “تصحيح الخريطة”، أن الهدف تغيير المفاهيم السائدة وإبراز الحجم الحقيقي للقارة الأفريقية وقوتها وإمكاناتها، وتُعدّ دقة إسقاطات الخرائط أمراً بالغ الأهمية ليس فقط للتعليم والجغرافيا، بل أيضاً لتعزيز فهم أعمق لدور أفريقيا في المجتمع العالمي”.
على الرغم من أنه لا يمكن لأي إسقاط أن يسطح الأرض بشكل مثالي دون تشويه، فإن حملة الأرض المتساوية تسعى إلى إعادة التوازن لقرون من التمثيل البصري الخاطئ.