من هو فارس المدرعات مهند فضل… سيرة شهيد وأسطورة ميدان

فارس المدرعات مهند فضل… سيرة شهيد وأسطورة ميدان
تقرير : محيي الدين شجر
في معارك أم قُعود، طوى الموت صفحة من أنصع صفحات المقاومة السودانية، حين ارتقى القائد الميداني مهند إبراهيم فضل، المعروف بلقب أب سبحة، شهيدًا بعد رحلة طويلة من البذل والتضحية والدفاع المستميت عن السودان وأرضه وعرضه.
قائد ميداني استثنائي
مهند لم يكن مجرد مقاتل عابر، بل كان يشغل منصب مسؤول العمليات بفيلق البراء بن مالك، ويُعد من أبرز قادته الميدانيين وأكثرهم تأثيرًا. عرفه رفاقه في سلاح المدرعات بالخرطوم كقائد متحرك يحمل لقب “مسك الختام”، يتقدم الصفوف حين تشتد المعارك، ويتراجع فقط حين يقتضي الأمر حماية أرواح رجاله.
خلفية أكاديمية وأخلاقية
رغم حضوره العسكري، فإن الشهيد مهند لم ينفصل عن مسيرته الأكاديمية، فقد نال بكالوريوس الهندسة، وجمع بين صرامة العلم ورحابة الروح الداعية. عُرف بين زملائه بصفته قائدًا أخلاقيًا وعمليًا، لا يلهث وراء منصب ولا يتشبث بالسلطة، بل وظّف خبراته في إدارة المعركة بوعي ومسؤولية.
شخصية ملهمة
امتاز مهند بكونه قائدًا متدينًا، حافظًا لدينه، قريبًا من الله، ومرشدًا لجنوده. كان يردد دومًا:
“لسنا من يعيش على الذكريات، بل نصنع الأحداث والمستقبل… فلا خير في سعة من الدنيا ضيّعت طريق الآخرة.”
كلماته هذه كانت بمثابة وصية ورسالة، تلخص فلسفته في الحياة والميدان: صناعة المستقبل لا اجترار الماضي.
معركة الشرف
في معارك المدرعات بالخرطوم، كان اسمه حاضرًا بقوة، حيث ظل يقاتل دفاعًا عن الموقع الاستراتيجي حتى أصبح رمزًا للصمود. وفي معركة أم قُعود بشمال كردفان، أصيب بجروح خطيرة، ونُقل إلى مستشفى الأبيض، قبل أن يرتقي شهيدًا متأثرًا بجراحه.
دموع الفقد وألسنة الرثاء
رحيل مهند ترك فراغًا كبيرًا بين رفاقه، فنعاه قائد الفيلق المصباح طلحة أبوزيد بعبارات مؤثرة:
> “اليوم نزف الشهيد مهند إبراهيم فضل (أب سبحة)… محبوب الشعب السوداني… نلتزم بالعهد بالمواصلة معًا.”
ونعته الحركة الإسلامية بقولها : لقد كان الفقيد شعلةً من النشاط والفكر والتدبّر، ومستودعًا للحكمة، ونموذجًا للثبات والمصابرة. تسلّم راية أمانة الفكر والدعوة من أخيه ورفيق دربه الشهيد محمد الفضل، وهما أوّل من أشعلا جذوة المقاومة الشعبية وأطلقا نداء الواجب والكرامة. تقدّم بخُطى ثابتة في ميادين القتال فجسّد ثباتَه الدروع، ورسمت مِسبحته وابتسامته ملامح الفرح في وجوه أهل السودان وهم يرونه بين الشظايا والرصاص وتحت القصف ثابتًا شامخًا كالجبل الأشم يبشّرهم بالنصر.
كما نعاه الفريق عبد الرحمن الصادق المهدي مشيدًا بشجاعته في الدفاع عن الوطن، مؤكدًا أن السودان فقد أحد أبرز أبنائه المخلصين.
إرث يتجاوز الحدود
لم يترك مهند وراءه مجرد سيرة ذاتية عسكرية، بل إرثًا إنسانيًا وأخلاقيًا يلهم أجيالًا من السودانيين. فهو القائد الذي جمع بين الهندسة والفكر، السلاح والإيمان، الصرامة والشهامة.
ولذلك فإن رفاقه في الفيلق تعهدوا بالمضي على دربه، معتبرين أن استشهاده ليس نهاية الطريق، بل بداية فصل جديد في معركة البقاء والدفاع عن الوطن.