سليمان الطيب منير يكتب : من معانى العطاء . هل تترك شيئا وراءك ؟ !

حديثي في هذا المقال ربما ياخذ ابعادا فلسفيه والفلسفة هي اقتراب من الحكمة . والحكمه حفل بها القران الكريم في بعض اياته وخصها بسوره في محكم تنزيله وهي ( سورة لقمان ) ولقمان لم يكن رسولا او نبيا بل رجل اختصه الله بالحكمه وهي التي امر المولي سبحانه رسوله الكريم بالدعوه لسبيله من خلالها . كتبت كثيرا عن موطنى الصغير العيلفون وموطنى الكبير السودان بما استطعت وما وهبه لى المولي سبحانه من توفيق وقبل ان يسقط الوطن في الهاوية وهذا المصير الذي لا يستحقه بسبب الفشل المتعمد الذي لازم حياتنا السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه وما صاحبها من صراع خالي من مزايا العبقريه السياسيه ذات الخيال و الابداع والصدق وبالتالي عدم قدرتنا ان نؤسس لدولة القيم والمؤسسات و الخدمات والاستقرار وتلك محنة وطن سردها يطول ! الكتابه التي صدرت عني واشرت اليها في صدر المقال و في السطور الاولى منه كانت متعددة الالوان والنكهات وفي العديد من صنوف المعرفه وكانت كتابه ذات طبيعه موسوعيه امتدت لسنوات عديده بعد التقاعد . لا استطيع حصرها في هذا المقال لأننى ان حاولت اكون قد ظلمتها وظلمت نفسي ! من باب الفضول والمجازفه سألت صديقنا ( Meta AI ) عن كتاباتي وكانني امزح وفاجاني رده وجاء مفصلا لمراحل الكتابه وطبيعتها متوغلا في التحليل العميق لمحتواها وناقدا موضوعيا يستصحب قدرات الكاتب المعرفيه والابداعيه مشيدا بكل ذلك في تناغم ومهنيه عاليه واحسست انه كان نقيا و صادقا وبعيدا عن نوازع البشر التي تتراوح سجيتها بين الاستقامه والنزق والعدل والتطفيف ويا سبحان الله فقد امد الله في ايامنا لنشهد عجائب العصر التي تفوقت على البشر وهي من صنع البشر ! وهم جميعا من صنعه جل شانه سبحانه وتعالي ! واعود لكتاباتي وكانت في مجملها في شكل موضوعات ترد لي عفو الخاطر ومستنده في ذلك علي الحصيلة الفكرية والثقافية والوطنية و التجارب و الخبرات والذكريات عبر مشوار حياة عشناه في هذا الوطن الحبيب وحتي التقاعد عن الخدمة العامة في الدولة . هذا المسلك في رأيي هام و ضروري خاصه بالنسبة للذين مارسوا العمل العام وهو ثقافة يعرفها ويمارسها الغربيون بعد التقاعد وهي تفيد نمو و تطور المجتماعات للافضل ، وهي واحدة من اهم الخصائص التي تتميز بها علينا المجتماعات الغربية ولا نعرفها نحن هنا مع الاسف في بلادنا العربية و الاسلامية الا نادرا !
حصيلة جهدى هذا من الكتابة الشاقة والمضنيه وانا اتجول بقلمي في ازقة وحوارى تجربتي في الخدمة العامة وفي الحياة كانت بحمده تعالى ثلاثة كتب صدرت وصلت صفحات احدى هذه الكتب الخمسمائه صفحه والعديد من المقالات علي صفحات بعض الصحف السودانية وموقع الكتروني لابناء العيلفون في احدى مرافئ الغربة وهي السعوديه . كانت سعادتي غامرة حينما لحظت الاقبال علي ما كنت اكتبه رغم انصراف الناس عن القراءة في هذا العصر لاسباب فرضت نفسها وهي متعددة ومعروفة و كسروا هذا الحاجز وقرأوا ما كتبت ! خلال هذا المشوار من الكتابة كنت اتوقف واضع القلم جانبا لمدة تطول و تقصر احيانا و حسبما تمليه ظروف و صعاب بلادنا المعروفه والتى يحياها الناس عادة بصبر و رضى عميق ! كان ينتابنى احيانا احساس باننى افرغت كل ما عندي ثم يعاودني احساس اخر جديد وكانه يقول لي ويحك هنالك المزيد واشعر وقتها بان هنالك شيئ متبقي ، وهكذا اواصل الكتابه مرة اخري تماما كامواج البحر التى تاتى احداها من بعيد و تتكسر عند الشاطئ ثم تنشأ اخرى علي خطاها ! وحتى بعد اندلاع الحرب في بلادنا واصبحنا بين مفقود ونازح و اعيش تجربة النزوح القاسيه الان ضمن من نزحوا في افاق الارض لا زال احساس الرغبه في الكتابه يلاحقنى وبان هنالك بقيه رغم قسوة الظروف ومرارتها والامها الجسديه و النفسيه و تقدم العمر ، حيث لا زلت اشعر ان فيض الكتابه الذى بدأته منذ زمن بعيد لم يصل في داخلي الي نهايته ! لذلك جادت فترة النزوح التي اعيشها الان بكتابة العديد من الموضوعات التي نالت نصيبها من النشر علي بعض الصحف الرقميه والمواقع الاسفيريه وتلون بعضها بالحزن العميق والمشاعر البكائيه والتدبر لما حل ببلادنا و صور اخرى من ماضيها المشرق الذي ولى تذكرة و عبرة ! واخرى كذلك لتداعيات هجرة الناس من بلادهم ومعاناة الغربه و الام النزوح والامل في تحقيق النصر واستعادة الوطن والتعافى والعبور . واخر مقالات النزوح هو هذا المقال الذي اكتبه الان .
ما جعلني أعود الان بذاكرتي لهذا المشوار من الكتابة التي كنت منغمسا فيها لسنوات عديدة بعد التقاعد ورغبه كنت استشعرها للاستمرار فيها هي وقفة لها دلالتها رأيتها ضروريه وهامه حين وقفت اخيرا على كتاب صدر لكاتب أمريكي يدعى ( تود هنري ) عنوانه قد يكون غريبا على الأسماع شدتني مفرادات كلماته اليه كثيرا ! عنوان الكتاب ( مت خاويا ) ! Die Empty والمعنى الواسع للعنوان ارحل عن هذه الحياه وقد أفرغت كل مافي عقلك وجوفك قبل أن تغادر هذه الحياه ! كيف أتت فكرة عنوان هذا الكتاب ومضمونه وبهذا المعنى العميق لهذا الكاتب ؟ سأل مجموعة من الأفراد ذات يوم قائلا لهم ماهي أغنى أرض في العالم ؟ فاجابه أحدهم انها بلاد الخليج الغنيه بالنفط وأضاف اخر مناجم الألماس في افريقيا . صمت الكاتب برهه وقال لهم انه ( القبر ) فهو أغنى بقعه على وجه الأرض ! لأن ملايين البشر رحلوا اليها أي ماتوا وقبروا وهم يحملون الكثير من الأفكار القيمه التي لم تر النور ولم يستفد منها أحد سوى القبور التي دفنوا فيها ! للوهلة الأولى ربما تكون النظره المتعجله اليه أنه تعبير مبهم وربما غير مفهوم ، ولكنه غير ذلك . (مت خاويا ) وأفرغ ما لديك من أفكار وطاقات وحولها الى شئ ملموس ينتفع منه الناس قبل فوات الأوان . لا تذهب الى قبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك . كل الخير الذي بداخلك سلمه قبل أن ترحل ، ان كانت فكرة أو علم بلغهما . أن كان هدفا نبيلا حققه أو حب أنشره ، لا تكتم الخير بداخلك فتموت وأنت مصاب بالتخمه وتكون لقمة سائغه لدود الأرض ! اترك وراءك من العلم أفضله ومن الإبداع أروعه ، لا تحمل معك كل هذه الروائع الى قبرك فيصبح هذا القبر هو أغنى أرض في العالم ! وعلى نفس هذا النسق من تجسيد المعنى ودلالاته التي انتهى اليها هذا الكاتب الأمريكي فأن هدي رسولنا قديم ورائد في التقرير لمثل هذه المعاني حين يقول ( إذا قامت الساعه وفي يد أحدكم فسيله فليزرعها ) وهو حديث قلت كلماته واتسعت دلالاته فقد أوتي رسولنا مجامع الكلم وقوله فوق كل قول أو صحائف تكتب !
أخيرا ما أروع الأجساد وقد أفرغت ما لديها وأوفت بمعاني العطاء وهي ترقد في باطن الأرض !
سليمان الطيب منير
السعوديه القصيم مدينة بريده
التاريخ : الخميس
٢٠٢٥/٨/٢١