محمد طلب يكتب : *ماهو الفرق بين سلطة الفواكه و سلطة الدكوة؟؟*

 

تبدو الأجابة علي مثل هذا السؤال في غاية البساطة وقد يعتبره البعض سؤالاً غبياً او سوالاً ساخراً او سؤال (تِريك) أو سؤالاً مفخخاً (حسب مصدره) او غير ذلك …
وعموماً كل زول( بيعرف كيف يقطع سلطتو) اياً كانت سلطة دكوة او سلطة خضار او سلطة فواكه البعض يحبها (دُقااااقة) وناعمة والاخر يحب (يقرقش ويتمطق) ويتذوق الطعم (للطيش)…

وعموماً سلطة الفواكه وطعمها الحلو في تكوينها تعتمد علي تشكيلة واسعة من الفواكه تتعدد حسب الاذواق والإمكانيات في توفر انواع الفاكهة وموسمها و تعتمد علي خلطة معينة لخلق التجانس بين مكوناتها المختلفة و ألوانها الجميلة و إضافة نكهة وخليط لتمازج هذه المكونات والخليط يختلف ايضاً بإختلاف ثقافة الناس في الطعام والاذواق

اما (سلطة الدكوة) فهي من المأكولات الشعبية السودانية التي تحوي أنواع بسيطة جداً من الخضروات رخيصة الثمن و قد تقتصر في الغالب علي صنف واحد فقط وهو (الطماطم) بالذات في موسمها و أيام وفرتها وتعتمد بشكل أساسي مع الطماطم علي زبدة الفول السوداني المعروف شعبياً (بالدكوة) والتي تخلق عند امتزاجها بعصارة ماء الطماطم طعماً مقبولاً للذائقة السودانية مع الشطة وزيت السمسم و(الذي منو) ..
ولا ادري سر تسمية (الدكوة) وهل هو نتيجة دكه دكاً أي (الفول السوداني) وطحنه طحناً وسحقه سحقاً مثل شعبه محب (الدك) والدكوة..

بالامس كنت ضيفاً علي اسرة سودانية في مهجرنا القسري فأكرموني غاية الكرم و(من الضِمن ) كانت سلطة الفواكه التي لم أتبين او (أتبن) اصناف الفاكهة الموجودة بها واحياناً عندما (تتبن) الشيئ فإنك تتبيّنه بحاسة اللمس فالحواس تبيّن طبيعة الاشياء بالتجربة والتكرار لكني بعد تناول بعض ملاعق منها علقت تعليقاً لم استسخفه رغم سخافته لعلاقتي بالاسرة وقلت لهم (السلطة دي فيها دكوة) فضحك الجميع ..لا ادري لماذا ضحكوا؟؟..
و كانت بعيونهم كثير من الاستفهامات والتعجب من التعليق… وربما كانت من ضمن تعليقات العيون (الزول دا عندو كديسة) لا ادري..!!! لكني علي علم تام (بكديستي) المربوطة…

لكني فعلاً تذوقت بسلطة الفواكه تلك طعم الدكوة ولا أدري ربما (الدكوة في راسي دا) مع السيدة (الكديسة)؟!! خصوصاً أنني بعد الجلطات الدماغية التي أصابتني لم أعد أتذوق بشكل جيّد..
كما أنني بعد المرض أنتبهت لأمر غريب وهو ان هناك اشياء قدتعاني منها أنت من الاستحالة ان يشعر بها غيرك من الأخرين او يفهمها فمثلاً موضوع حاسة الذوق فلو كنت تتذوق طعم الحلو مالحاً من الصعوبة ان يدرك ذلك غيرك او يفهم حجم معاناتك و عندما تتكلم بذلك ربما يكون مثاراً للضحك و المغالطة…
هنا تذكرت أغنية ذلك الممكون (كلمني يا حلو العيون) وكل العيون الحلوة التي افتقدناها في هذه الحرب فليس كل العيون الحلوة لأنثي!!! فعيون والدي رحمه الله كانت عيون جميلة اقرأها كثيراً فهي عندي قصة وحكايات وعظات …

*كلمنى يا حلو العيون*
*حيرنى صمتك ياحنون*
*كلمنى حاول حس بي ..*
*عاتبنى أرمى اللوم على*
*كلمنى والكاين يكون*

وهنا لا تهمني حلاوة العيون الرائية والمرئية بقدر ما يهمني قوله:-
*كلمنى والكاين يكون*
*بفرق كثير .. ويتحسب كل يوم يمر*
*بفرق كثير .. طعم الحلو لو يبقى مر*
ورغم مجازية الاستخدام إلا انه من الصعب جداً عليك أن تتقبل ما طُبع في الدماغ والإحساس انه حلواً وتتذوفه مراً بعد عمر الحلاوة او العكس..المهم (دا ما موضوعنا)…

وبشكل عام سلطة الدكوة مرتبطة بشكل كبير بالطبقات الدنيا من الشعوب السودانية رغم (احادية) تكوينها (الطماطية) إلا ان لها جمهور كبير مرتبط بالفقر…
و (افهموا الفهمتوه أنا ما قلت حاجة)
وسلطة الفواكه بتنوعها الجميل والوانها الزاهية وطعمها الرائع في السودان ترتبط بالفئات العليا من المجتمع كما ان لها وجود في المناسبات البهيجة

و المطبخ السوداني بشكل عام فقير جداً .. نمطي وتقليدي للغاية لا يحب التغيير والتشكيل والتنويع ويعتبره (بشتنة ولخبطة ساااي)
لكن رغم ذلك في المناسبات تجد الحراسة مشددة علي (سلطة الفواكه) المُشكّلة خوفاً عليها من (الاعداء) من الغلابة… والحراس غالباً في ذلك اليوم تمتلئ كروشهم سلطة فواكه … ودا ما موضوعنا برضو و (ما عاوزين مشاكل مع حراس السلطة ) بالفتح السين طبعاً…وليس فتح السجن

موضوعنا المهم هو ان خروج (المطبخ السوداني) من هذه (الاحادية) يعتبر ضرورة مُلحة …

ما تفهمونا غلط انها احادية (المِلاحات..التبايخ ) و ذات احادية (المفروكة) فعلي سبيل المثال (ثنائية مفروكة البامية بالشمار ) أجمل بكثير من مفروكة البامية لوحدها و مشكل طبيخ البطاطس مع (البسلة) والجذر والفاصوليا والذرة الشامي أجمل بكثير من طبخ كل نوع لحاله …
و ربما لا تصلح بعض الاصناف المذكورة اعلاه للطبخ لحالها (احادياً) اصلاً …
ولن أخوض في تفصيل أكثر عن الخضروات والفواكه وانتماء (الافكادو) مثلاً للفاكهة رغم أنه اصيل مع السلطات الخضراء عند (غيرنا) .. أو ان القرع والبامبي بهما حلاوة الفاكهة الا انهما خضروات و(مِلحات ساااي) عندنا .. وكذلك فاكهة المانجو قبل الاستواء الكامل نعاملها معاملة (التبش) ونستلذ (أُحاديتها) مع الشطة بالليمون وووو…
و الله اني اري حتي البليلة البسيطة دي عندما تكون مشكلة الحبوب او حتي ثنائية تكون أجمل و أفيد وألذ من (العدسي براهو او الكبكبي لحاله او حتي الذرة او القمح او الفريك براااهو ) لا تسمعوا لقول البعض:-
*برانا برانا نشيل الشيلة*

عزيزي القارئ كل ما أشرنا اليه هو فقط مجرد دعوة (للتغيير) في المطبخ السوداني وخروجه للتنوع والتشكيل والخروج عن احادية (المُلاح البائت ) التي عشناه و(طممت بطوننا) حتي سمعنا احدهم كتب شعراً بعنوان (عوووع) … والله جد…

وختاماً يبدو لي أن الفرق بين سلطة الدكوة وسلطة الفواكه به شبه مع الفرق بين الجنسية بالميلاد والجنسية بالتجنس…
وكل زول يفهم حسب معطياته…

سلام
محمد طلب