الميناء البري بعطبرة.. عندما تصبح الغرامات سلطة خارج النص بقلم: [محيي الدين شجر ]

الميناء البري بعطبرة.. عندما تصبح الغرامات سلطة خارج النص

بقلم: [محيي الدين شجر ]

في صمتٍ إداري لا يخلو من التساؤلات، تتوالى الشكاوى من أصحاب البصات السفرية في ولاية نهر النيل، وتحديدًا من داخل الميناء البري بعطبرة، حول ممارسات تتعلّق بفرض غرامات وتسويات مالية تتم دون المرور عبر القنوات الرسمية للدولة، ودون استخدام أورنيك 15 المعتمد من وزارة المالية.

ولأننا في لحظة حسّاسة من تاريخ السودان، حيث تُطرح بحدّة أسئلة الدولة والقانون والمال العام، فإن طرح هذه الملاحظات لا يأتي من باب المعارضة أو التشكيك، وإنما من باب الحرص على انتظام الدولة تحت مظلة قانونية موحدة، لا تُفرّق بين مركز وهامش، ولا بين قطاع عام وخاص.

غرامات بمئات الملايين.. دون أورنيك 15

بحسب معلومات مؤكدة، تقوم إدارة الميناء – وهي شركة خاصة تعمل بموجب عقد تشغيل مع حكومة الولاية – بفرض غرامات تصل إلى 500 ألف جنيه في بعض الحالات على ما يُعرف اصطلاحًا بـ”الشحن الخارجي”، أي نقل الركاب من خارج حدود الميناء البري.

وتُجرى “تسويات” لهذه الغرامات داخل الميناء دون إيصالات مالية رسمية أو استخدام أورنيك 15، ما يُعد مخالفة صريحة لقانون الإجراءات المالية والمحاسبية، ويثير مخاوف جدية بشأن وجهة الأموال المحصّلة، ومشروعية التصرف فيها.

ماذا يقول المرسوم المؤقت لقانون الميناء البري؟

صدر عن والي نهر النيل مرسوم مؤقت ينظّم عمل الميناء البري بعطبرة، وقد منح مدير الإدارة اختصاصات واسعة، من بينها:

تنظيم النقل البري وتطوير خدماته؛

وضع ضوابط التشغيل والسلامة؛

اتخاذ التدابير الإدارية والتنظيمية والتشغيلية؛

إجراء تسويات مالية؛

تحصيل الرسوم الولائية وفق القانون؛

متابعة التزام الشركات بتسيير السفر من داخل الميناء؛

تعيين موظفين لمراقبة الطرق خارج الميناء بالتنسيق مع الجهات المختصة؛

التعاقد باسم الميناء.

لكنّ هذا التفويض – مع أهميته – لا يُلغي المرجعية العليا للقانون المالي الاتحادي، ولا يُتيح تجاوز أدوات التحصيل الرسمية، ولا يبرر فرض غرامات بلا لوائح معتمدة أو رقابة مركزية.

شركة خاصة بصلاحيات سيادية؟

السؤال الأهم: هل تملك شركة خاصة الحق في ممارسة سلطة مالية عقابية؟
وهل يُعقل أن يُدار المال العام في ميناء بري، يُفترض أنه مرفق سيادي، بمعزل عن ديوان الحسابات ووزارة المالية وديوان المراجعة القومي؟

وإذا كان ثمة تفويض من حكومة الولاية، فهل يجوز أن يتجاوز ذلك التفويض الضوابط التي أرستها الدولة على مستوى المركز؟

أين الغرفة القومية؟ وأين وزارة النقل؟

ما يُقلق أكثر أن إدارة الميناء – كما هو واضح – لا تكتفي بتحصيل الأموال، بل تتوسع في تنظيم حركة البصات ومنح التصاديق ومتابعة التشغيل، وهي مهام محفوظة قانونًا للغرفة القومية لأصحاب البصات السفرية، التابعة لوزارة النقل.

فهل تم التنسيق مع الغرفة القومية بشأن هذه الاختصاصات؟
أم أننا أمام حالة من تداخل السلطات وتشظي المرجعيات، ستقودنا حتمًا إلى بيئة غير مستقرة لمستثمري النقل والمواطنين على السواء؟

توضيح قانوني:

من المهم التذكير بأن المراسيم المؤقتة التي يصدرها الولاة في ظل غياب المجالس التشريعية الولائية تُعد صحيحة من حيث الشكل، طالما أنها صدرت لتنظيم شأن من شؤون الولاية وفي حدود اختصاصاتها.

لكن هذه المراسيم لا تكتسب القوة القانونية الكاملة إذا خالفت القوانين الاتحادية النافذة، خاصة في ما يتصل بـ:

استخدام أدوات التحصيل المالي الرسمية (مثل أورنيك 15)،

الاختصاصات الممنوحة قانونًا للغرف القومية والوزارات الاتحادية،

أو تنظيم قطاعات قومية كالنقل والمال العام.

لذلك، يظل مرسوم الميناء البري بعطبرة قابلاً للطعن أو المراجعة إذا ثبت تجاوزه لحدود الاختصاص أو مخالفته لنصوص دستورية أو قوانين اتحادية ملزمة، وهو ما يُحتم على السلطات الولائية إعادة النظر في آلية التطبيق والرقابة، احترامًا لمبدأ وحدة القانون في الدولة.

المال العام ليس وجهة نظر، والقانون لا يُستبدل باجتهادات فردية مهما كانت النوايا.
نكتب هذا لا لنُخاصم أحدًا، بل لنُذكّر بأن هيبة الدولة تبدأ من احترام مؤسساتها وقوانينها، ومن وضع كل جهة في حدود صلاحياتها.