محمد طلب يكتب : *الإشقدي وأبو عديلات*

 

ماقبل الحرب.. و بعد غربة طويلة قاربت الربع قرن من الزمان عدنا للوطن… كنت حريصاً جداً خلالها أن يمكث أولادي إجازاتهم كاملة بالسودان لتكوين (مخزون استراتيجي) من (الشقاوة) التي قد يحتاجونها مستقبلاً… وأحسبهم قد استنفذوها الآن في ظل المعاناة وقسوة الظروف الحالية وتدني المستوى في كل الخدمات…

في العيادة دخلت بعد انتظار ليس بالقصير على الطبيبة ذات النقاب، وجدتها تحدث زميلتها ذات النقابين عن (البابا) بإعجاب أصابتني الدهشة (بابا عديل كدا) لحين معرفتي بأنها تتحدث عن أبيها لانهن لم يتوقفن عن الونسة حتي بعد دخولنا حينها علمت أني أمام شخصيات بالغة التعقيد يصعب جداً التواصل السليم بينها وبين (أي شخص اخر من غير ذات الطبقة)، وإن لم يكن مريضاً في قرية أو مدينة، وبغض النظر عن مستواه العلمي أو الثقافي، وقد صدق حدسي عندما جلس ابني ذو العشر سنوات على الكرسي المخصّص للمريض وسألته الطبيبة ذات النقاب عن شكواه فقال لها ببراءة الطفولة وثقافة العشر سنوات التي اكتسبها (بالقرية السودانية) بذات التعقيد و عني بعيداً عن البيئة التي تربى بها (عندي عُوارة عملت لي اشقدي)…… بصوتٍ عالٍ يا شاطر… هكذا ردّت عليه الطبيبة فكرّر ذات الجملة (المفيدة) بصوت أعلى…. التفتت ذات النقاب بدهشة واضحة لـ(ذات النقابين) حينها أدركت أن كلاهما لم تدرك المفردات الواردة بحوار التواصل بين الطبيب والمريض…

وبحركة سريعة وغريبة وضعت يدها ذات (القفازات الدينية أو غيرها… لا أدري) على رأس ابني تتحسس حرارته… وحتى أثبت لها أن ابني ليس في حالة هذيان نتيجة الحرارة المرتفعة قلت لها (الولد قال ليك عندو عُوارة عاملة ليهو اشقدي).

حينها امتلكتهما دهشة عالية حتى أزالت (ذات النقابين) نقابها الثاني وهو نظارة سوداء لا أدري إن كانت طبية أم شمسية، وربما دار بخلدهما أنهما أمام (المجانين الجدد)…. وحتى أطرد منهما هذه الفكرة حاولت استخدام ما أملك من معلومات طبية تتعلّق بحالة ابني فتحدثت عن كريات الدم ومهمتها الدفاعية وكذا أمر الغُدد الليمفاوية فرأيت الراحة على عيني الطبيبتين وكلاهما تقول بعد أن مسكت بقلمها (قلت لي اسمو شنو) فيرد ابني (اشقديييييييي)، لو قلنا ليكم أبو عديلات كان عملتوا شنو!!..

بعد الحرب الان اكتشفت اني كنت مخطئاً…(وما في زول يقول لي كيف !!!!)

سلام
محمد طلب