بعد الجدل حول تصريحات وزارة العدل السودانية ……. فتوى قانونية مرتقبة جديدة بشأن بيع المسروقات

 

متابعات / سودان سوا
خلال الأيام القليلة الماضية، استمر النقاش حول التصريحات التي أدلت بها إحدى المسؤولات البارزات في وزارة العدل السودانية، والتي تتعلق بفتوى قانونية متوقعة تتعلق بـ “المنهوبات المتشابهة”.

أثارت هذه التصريحات جدلاً كبيراً في الأوساط القانونية والسياسية، حيث تزايدت المخاوف من إمكانية أن تؤدي إلى إنشاء سابقة قانونية في بلد لا يزال يعاني من تداعيات حرب مدمرة.

في سياق متصل، أكدت وكيلة وزارة العدل ورئيسة القطاع القانوني، هويدا علي عوض الكريم، في تصريحات سابقة، وجود تقارير رسمية من ولاية الخرطوم تفيد بوجود كميات كبيرة من المسروقات في المخازن، والتي تشمل أنابيب الغاز وثلاجات وشاشات وغيرها من الممتلكات.

كما أوضحت أن تعامل السلطات المحلية مع هذه الممتلكات اختلف بشكل كبير، حيث اعتبرتها بعض الولايات “مهملات”، بينما قامت أخرى ببيعها وتوجيه عائداتها إلى صندوق التعويضات، دون وجود رؤية موحدة. وأشارت إلى أن الوزارة أحالت القضية إلى المحامي العام لإصدار فتوى قانونية ملزمة تحدد الإجراء القانوني الموحد للتعامل مع هذه المنهوبات في جميع الولايات، مؤكدة أن القطاع القانوني يقوم بدراسة الملف بشكل شامل استعداداً لإصدار قرار يستند إلى الأطر القانونية السودانية والدولية.انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي بين السودانيين تظهر عمليات نهب لممتلكات خاصة.لم يكن هذا الإعلان عن الفتوى المرتقبة مجرد حدث عابر، بل أثار جدلاً واسعاً، ليس فقط في الأوساط القانونية، بل أيضاً على منصات التواصل الاجتماعي.

تزايدت التساؤلات بشأن “من يملك هذه المسروقات؟ وهل يحق للدولة بيعها، وما هي المعايير التي تُحدد ما يدخل ضمن الفئات المهملة أو المنهوبة؟”

بدوره، أشار المحامي السوداني المعروف وأحد مصممي الوثيقة الدستورية لعام 2019، ساطع الحاج، في حديثه لـ”العربية.نت” إلى أن “النهب لا يُعتبر فقط جريمة جنائية محلية، بل هو جريمة محددة في القانون الدولي الإنساني”.

وأوضح أن “المال المنهوب يشمل كل مال منقول أو ثابت تم استغلاله بالإكراه وفي ظروف قهرية، دون موافقة مالكه، وبتوجه نحو التملك أو التصرف فيه”. وأشار إلى أن “هذا ما ورد في المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، كما تم تضمين نفس التعريف في النظام الأساسي لمحكمة روما الجنائية، الذي اعتبر النهب خلال النزاعات المسلحة جريمة من جرائم الحرب”.أكد أنه “يجري تجريم النهب بشكل صريح في القانون الجنائي السوداني، ويُعاقب عليه بعقوبات صارمة. كما أشار إلى أنه “لا يحق للدولة أن تكتسب ملكية الأموال المنهوبة، حيث إن التملك لا يتم من خلال النهب، الذي يعتبر عملاً ممنوعاً وغير قانوني.”

وبناءً على ذلك، اعتبر أنه “لا يمكن للدولة أن ترى نفسها مالكة لهذه الممتلكات، ولا يحق لها بيعها أو تحويل عائداتها إلى أي صندوق، بما في ذلك صندوق التعويضات”.

اعتبر أن تعقيد القضية لا يمكن حله من خلال فتوى قانونية فقط. وأكد أن “الوضع على الأرض معقد للغاية.. نحن أمام كميات كبيرة من الممتلكات المسروقة، بعضها يعود لأفراد والبعض الآخر لمؤسسات حكومية أو خاصة.. ويتطلب التعامل معها تشكيل لجان وطنية متخصصة تتولى استعادتها لأصحابها، مع ضمان المساءلة القانونية للمسؤولين عن عمليات النهب”.

كما أكد على وجود أبعاد سياسية لا يمكن تجاهلها، قائلاً: “قد تلجأ الدولة إلى اتخاذ قرارات سياسية تحت مسمى إزالة الأنقاض أو دعم إعادة الإعمار، لكنها ستواجه تحديات قانونية وشعبية من المتضررين إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الحقوقية والإنسانية.” “دروس من تجارب دولية”

واستند الحاج إلى عدة تجارب دولية في هذا الصدد. وأشار إلى أنه “في البوسنة والهرسك بعد الحرب بين عامي 1992 و1995، تم تأسيس لجان لإعادة الأموال والممتلكات المسلوبة إلى المواطنين وليس لمصلحة الدولة، وكذلك في رواندا بعد مجازر عام 1994، وفي سيراليون وليبيريا بعد الحرب الأهلية”.

أما في العراق، فقد أوضح أنه “بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، تم تشكيل لجان خاصة لاستعادة الأموال المنهوبة من الدولة، ولم تُعامل هذه الأموال كممتلكات مهجورة أو قابلة للبيع أو تحويلها إلى صناديق تعويضات وما شابه”.

اختتم حديثه بتحذير من اتخاذ إجراءات قد تزيد من تفاقم الأزمة، قائلاً: “إذا استمرت الدولة في بيع الأموال المنهوبة وتخصيص عائداتها، فسوف تواجه معارضة قوية من المواطنين، لأن المسألة تتعلق بحقوق الضحايا الذين فقدوا كل شيء خلال حرب مدمرة أظهرت آثارها على الجميع.”

ورأى أنه لا ينبغي أن تُستخدم الفتوى كسبب لتبرير تشريع ما لا يجوز تشريعه.الجدير بالذكر أنه منذ بدء الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، شهدت البلاد انهياراً كبيراً في مؤسسات الدولة، مصحوباً بانفلات أمني غير مسبوق، مما أدى إلى حدوث عمليات نهب استهدفت الممتلكات العامة والخاصة.

تحولت العاصمة الخرطوم ومدن أخرى إلى بؤرة من الفوضى، حيث تم نهب المنازل والأسواق والمرافق الحكومية، مما أدى إلى حدوث أزمة قانونية وأخلاقية كبيرة تتعلق بمصير هذه الممتلكات، ووسائل التعامل معها بعد استعادتها أو العثور عليها في مستودعات أو أماكن غير رسمية.