محمد طلب يكتب : *شوف كم سنة من الضلال و تيه دلال الكوزنة*

كنا في سنوات الشباب الباكر وعنفوان العواطف و الانفعال الشعوري ضمن (جماعة الجو الرطب) المسرحية التي تكونت بالجامعة ونالت شهرة واسعة في ثمانينات القرن الماضي وخرج من رحمها كثير من الفرق الكوميدية والمسرحية الموجودة الآن ونجوم كثر علي الساحة كان من ضمن ما اعتمدناه في برامجنا هو تفريغ الأغنيات الشهيرة ذات الجمهور الواسع من كلماتها و البناء علي القافية واللحن و الايقاع ما نريد أن نصنع به البهجة و تلطيف الجو و عكس رسالة ما و احياناً ربما بدون رسائل ليكون الهدف فقط زرع الابتسامة والضحك علي الوجوه العابسة بدون إسفاف
و الآن في هذه الشيخوخة البائسة اجد في الأغنيات كثير من السلوي عندما أسقط كلماتها والحانها كما هي بكل تفاصيلها علي أحوال قد تكون مشابهة وربما مختلفة تماماً عن الحال الذي كُتبت فيه او عنه الأغنية فاجد نفسي اكتب كثير من المقالات علي هذا النسق وقد انتقد البعض هذا الأسلوب كما أشاد به البعض الآخر والاختلاف هو الأصل أما عندي ( جوة الجوة) فإني أجد في ذلك بعض السلوي اضحك حيناً و ابكي أحياناً و ارحل عبر أزمنة السودان التي عشتها قبيحها و الحسن الطيب و اسوق معي القارئ في رحلتي عبر هذه النصوص متي ما أصابه ذات الاحساس
بالأمس إستمعت الي نص غنائي وكأني اسمعه للمرة الأولي وقد أبكاني بكاءاً حاراً فاق بكاء مؤلف النص بمراحل والله علي ما اقول شهيد وظللت أكرر الأغنية مرات واستمع لها في ألم وأبكي السنوات التي ضاعت من عمر الوطن و اعمارنا ثم أوصلتنا لهذه الحرب اللعينة أنها سنوات الضياع التي حكم فيها ما يسمون أنفسهم (حركة إسلامية) أتت علي ظهر دبابة حتي اوصلتنا لهذه الحرب اللعينة وظهور دباباتها و الدبابين …
كلمات الأغنية تمثل سنوات صبرنا الطويل الممل علي هذه الطغمة والسنوات التي ضاعت من العمر ولم نجني منها سوي الحسرة والندم علي الصمت والسكوت الطويل اذكر كل ذلك والمغني يردد :-
*صابر معاك صبراً طويل كاتم العلى*
*واصلوا العلى ما مرّ يوم بخيال بشر*
وأحسست أن هذ المقطع يمثل حالي وحال الكثيرين من أهل السودان المشردين من أوطانهم و المطرودين عن بيوتهم قهراً وقد حملوا اوطانهم بدواخلهم (وهناً علي وهن) آملين بعد (حمله كرهاً أن يضعوه كرهاً) علي ذات الجغرافيا و تغيير التاريخ بالوصية للأجيال القادمة بعد أن خرجنا نبحث عن الأمان في غير الأوطان و مواضع (حبالنا السرية) و مدافن (التبايع ) ومقابر الأحباء من الأهل والاقرباء والاولياء…..
حرب عند نهايتها ننتظر ولادة وطن جديد به محافظ (للتبيعة) وفوائد مرجاة منها في المستقبل كما أثبتت العلوم أهمية المشيمة ودم الحبل السري وخلاياه الجذعية ذات الفوائد الكبري أن حدثت مشاكل مستقبلية بينما تعودنا علي ثقافة (الدفن) لكل (مشيمة و أسرارها) بعد كل (مولود) نسميه كذباً بما اشتهينا…
الآن كل الأغنيات السودانية الغرامية والعاطفية وكل الوله والشجون و الخيانة و البيع الرخيص كلها عندي صرت أسقطها علي الأحوال الراهنة فقصص الحب والغرام هي نواة المجتمع فهي قصص أن كانت نهاياتها سعيدة تنبئ عن نواة خلق لبئية جديدة للوطن والوطنية والانتماء و الارتماء في الحياة الجديدة القادمة بإذن الله فقد ذقنا الكثير من المرارات في قصة حبنا لهذه الأرض التي ولدنا بها تفوق كثير من قصص الحب و اساطيره و اساطينه و هكذا كان احساسي عندما تغني :-
*لو قلتى قيس والله قيس بالنسبة لى*
*ما شاف عذاب لا ضاق ألم لا قاسى مر*
فكم ذقنا من مرارات في حب هذا الوطن وكم تجرعنا الصعاب التي لم يتذوقها اساطين العشق والغرام والهيام…وتغنينا رغم ذلك
(أعز مكان عندي السودان)
سلام
محمد طلب