عمرها خمسة أيام … وتُرسل رسالةً للعالم من قلب معسكر نازحين بالدبة
ندى الأزهار… ميلادُ أملٍ يتفتح من قلب المعاناة
إعلام المحلية – أمل طه
يسريه يعقوب – سنية برعي
في صباحٍ لا يشبه أي صباح، وبين صفوف الخيام التي تحاصرها الرياح ووجوهها المتعبة، جاء صوت بكاءٍ صغير ليشقّ صمت المعاناة في معسكر أزهري المبارك بالعفاض.
هناك، في الخيمة رقم (408)، أبصرت طفلة النور… طفلة سمّتها أمّها “ندى الأزهار”، وكأنها قطرة رحمة هبطت على أرض أنهكتها الحرب.
كفاح الصادق علي… أمٌ فقدت زوجها في اليوم الأول من القصف بمدينة الفاشر، فتحولت حياتها في لحظة واحدة إلى رحلة هروب طويلة، لا تحمل فيها سوى جنينها ووجعها وإصرارها على النجاة.
قامت تمشي مع أسرتها أيّامًا وليالي بلا زاد ولا ماء، تفرّ من جحيم الجنجويد، تتنقل من قرية لأخرى وفي بطنها حياة تنتظر أن تُولد.
تقول كفاح بصوتٍ متهدّج وهي تضم صغيرتها إلى صدرها:
“مشينا بلا أكل… بلا موية. كنا بناكل الأمباز عشان بس نعيش. كنت حامل… وخايفة… لكن ربنا نجّانا.”
خمس أيام فقط فصلت بين وصولها الدبة وبين اللحظة التي انطلقت فيها صرخة ندى الأولى.
وفي المعسكر، لم تكن كفاح وحدها… أحاطت بها النساء من كل الجهات، يمددن أيديهن وقلوبهن، تتعالى الدعوات، تختلط الدموع بالابتسامات، وكأن ميلاد الطفلة كان ميلادًا جديدًا للجميع.
كانت معها والدتها حواء أحمد سليمان وخالتها عفراء أحمد سليمان… لكل واحدة منهما قصة موجعة، بعضها عن بيوت ضاعت، وبعضها عن أحباب رحلوا، لكنّ شيئًا واحدًا يجمعهن: عينان ممتلئتان بالصبر، وروح لا تنكسر.
ورغم الفقر والبرد والجوع، إلا أن في المخيم دفئًا لا يشبهه دفء…
النازحون يتقاسمون اللقمة التي تصلهم من الخيرين من أبناء الشمال، والأطفال الذين لم يعرفوا سوى أصوات الحرب… ما زالوا يبتسمون.
وتقول إحدى المتطوعات في المعسكر:
“ميلاد ندى الأزهار ما كان حدث عادي… حسّينا إنو الحياة لسه بتقدر تقوم على رجليها، وإنو ربنا قريب من عباده في الشدة.”
اليوم تجلس كفاح أمام خيمتها الصغيرة، تحتضن طفلتها التي ترقد بسلام. تنظر إليها بعينين امتلأتا بكل ما مرّت به، ثم تهمس:
“سميتها ندى الأزهار… عشان تكون جمال في زمن الناس فقدت فيه الأمان… ولو كان ولد، كنت سميتو أزهري المبارك.”
قصة ندى الأزهار ليست عملية ولادة وحسب
هي رسالة صافية من رحم الألم تقول إن السودان، رغم ما أصابه، ما زال قادرًا أن يُنبت حياة جديدة.
وأنه حتى في أكثر اللحظات ضيقًا… يمكن لزهرة صغيرة أن تزهر من بين الدموع.