لغز اختفاء خمسة مليارات دولار من عائدات الذهب يهز الأوساط الاقتصادية في السودان
لغز اختفاء خمسة مليارات دولار من عائدات الذهب السوداني.. أزمة أرقام أم أزمة إدارة؟
إعداد: سودان سوا
يثير إعلان شعبة مصدّري الذهب عن اختفاء ما يقارب خمسة مليارات دولار من عائدات صادرات الذهب في السودان، جدلاً واسعًا حول شفافية إدارة المورد الاقتصادي الأهم في البلاد، ويفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية عن الخلل المؤسسي والرقابي الذي يسمح بتسرب هذا الحجم من الأموال في ظل حرب تستنزف الدولة من كل الجوانب.
أولاً: الذهب.. المورد المنقذ الذي يختفي في المتاهة
منذ اندلاع الحرب، أصبح الذهب المصدر شبه الوحيد للنقد الأجنبي بعد توقف معظم الأنشطة الإنتاجية والتجارية. وتشير تقديرات رسمية إلى أن السودان يصدر سنويًا ما بين 50 إلى 60 طنًا من الذهب، بعائدات يفترض أن تشكّل رافدًا رئيسيًا للخزينة العامة.
لكن إعلان الشعبة بأن العائدات الفعلية لا تتجاوز مليار دولار فقط رغم تصدير أكثر من 53 طنًا، يطرح علامات استفهام حول قنوات التصدير، وآليات التحويل، وأدوار المؤسسات المشرفة على العملية من بورتسودان إلى الخرطوم.
ثانياً: أين الخلل؟ بين الفساد والفراغ الإداري
التحليل الأولي يشير إلى احتمالين رئيسيين:
- خلل إداري وهيكلي ناجم عن تعدد الجهات المشرفة على عمليات التصدير، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
أو تسرب مالي ممنهج عبر آليات التهريب أو التلاعب في فواتير البيع والأسعار العالمية للذهب.
ويقول خبراء اقتصاديون إن غياب التنسيق بين بنك السودان المركزي والهيئة العامة للمواصفات والمقاييس وشركات الامتياز يخلق ثغرات تسمح بفقدان الرقابة على الصادرات.
ثالثاً: معركة السيطرة على الذهب
لا يمكن فصل ما يجري عن الصراع الأوسع على موارد البلاد. فالذهب، إلى جانب الثروة الحيوانية والصمغ العربي، بات محوراً لتجاذب اقتصادي وسياسي بين مراكز القوى المختلفة.
ويُنظر إلى خطوة بنك السودان باحتكار تصدير الذهب كمحاولة لإعادة الانضباط المالي، لكنها تواجه مقاومة من بعض الفاعلين في السوق الذين اعتادوا على هامش حركة واسع خلال السنوات الماضية.
رابعاً: التداعيات المحتملة
اختفاء هذا الحجم من العائدات، إن تأكد بالأرقام، ستكون له انعكاسات مباشرة على سعر الصرف والتضخم، وسيفقد المواطنين الثقة في قدرة الدولة على إدارة مواردها. كما قد يعرقل جهود جذب الاستثمارات الأجنبية، إذ يرسل إشارات سلبية عن شفافية النظام المالي.
خامساً: المطلوب الآن
لا يمكن معالجة الأزمة بخطابات سياسية أو تصريحات إعلامية. المطلوب تحقيق مالي مستقل وشفاف يشارك فيه ديوان المراجعة القومي وجهات قانونية مختصة، مع نشر النتائج للرأي العام.
كما يجب أن تتجه الدولة نحو نظام موحد لتتبع الصادرات والعائدات إلكترونيًا، يربط كل الجهات ذات الصلة ببنك السودان والهيئة العامة للضرائب والجمارك.
خلاصة التحليل
قضية “اختفاء عائدات الذهب” ليست مجرد رقم مفقود، بل مرآة لأزمة حوكمة ممتدة. فهي تكشف هشاشة البنية المالية للدولة في زمن الحرب، وتضع أمام الحكومة تحديًا مزدوجًا: استعادة الأموال المهدرة، واستعادة ثقة المواطن.