الفريق فقراى يكتب :- دور شرق السودان التاريخي في تأمين وحدة السودان

بسم الله الرحمن الرحيم
الفريق فقراى يكتب :-
دور شرق السودان التاريخي في تأمين وحدة السودان
– يُعتبر شرق السودان بمختلف مكوناته القبلية والاجتماعية خط الدفاع الأول عن وحدة البلاد وسيادتها عبر التاريخ. فقد شكّل هذا الإقليم، بموقعه الاستراتيجي على البحر الأحمر وبامتداده نحو العمق السوداني، صمام أمان حقيقياً أمام الأطماع الخارجية، وركيزة أساسية في الحفاظ على تماسك السودان.
– منذ فجر الدولة الوطنية، كان لأهالي شرق السودان دور بارز في حماية الحدود الشرقية ومنافذ البحر الأحمر، فقد تصدوا للغزوات الاستعمارية وأسهموا في تأمين خطوط التجارة الدولية التي تمر عبر الموانئ السودانية،. ولم يقتصر دورهم على الجانب العسكري فقط،. بل شمل كذلك إسناد الدولة في أوقات الأزمات، وتقديم التضحيات من أجل وحدة السودان واستقراره.
– ومن أبرز رموز الشرق في هذا المجال، القائد المجاهد عثمان دقنة، الذي جمع بين ذكاء التخطيط العسكري وصلابة القيادة. فقد استطاع أن يوحّد قبائل البجا ويجندها في مقاومة الاحتلال البريطاني، حتى كُسِر المربع الإنجليزي في معارك الشرق. وتؤكد المصادر أن أصوله تعكس التنوع، حيث كان من أب ذي جذور كردية وأم بجاوية من قبيلة البشارياب هدندوة وينتمى الى مجموعة القبائل السواكنية، وهو ما جعله يجمع بين الحنكة القيادية والشجاعة البجاوية والتي التف حولها المقاتلون مما خلق منه عبقرية عسكرية وسياسية والذى كان قد اتبع فى معاركه العسكرية اسلوب حرب العصابات (الكمائن) والخدعة ،والذى مازال اسلوبه يدرس فى الكليات والمعاهد العسكرية البريطانية ،كاول سابقة لكسر المربع الانجليزى الذى كان يعد اسطورة بريطانيا العظمى آنذاك.
– لعبت قبائل الشرق أدواراً بطولية متكاملة فى معارك المهدية بشرق السودان :-
– قبيلة الكميلاب المعروفة بفروسيتها، كُلّفت بمهاجمة المربع الإنجليزي من الجهة التي وُضِع فيها المدفع، وكان على أحد فدائييها أن يضرب الجنود قبل أن يُعاد حشو المدفع.
– أما قبيلة شقلى ارتيقة، فقد استثمرت خبرتها في الحدادة لإعاقة حركة القطار؛ حيث زحف رجالها ليلاً وفككوا المسامير التى تسبت بهاقضبان السكة حديد، فغاص القطار في الرمال وتعطلت الحملة.
– ويُذكر أيضاً دور القائد سعدون وهو من قبائل الامارار عبدرحمن، الذي كان يعمل داخل المعسكر كمسؤول عن الإبل والجمال ، والذى عندما بدأ الهجوم، لجأ إلى وسيلة ذكية؛ إذ قام بدق الجراف ففزعت الجمال واندفعت لتدهس كل ما أمامها، مما أحدث ارتباكاً كبيراً في صفوف الجيش البريطاني حيث ساد الهرج والمرج والفوضى وكان بداية كسر المربع من الداخل.
– ولم يقف الإبداع القتالي عند ذلك؛ فقد واجه البجا الخيالة البريطانية باستخدام أدواتهم التقليدية بذكاء مذهل. فاستعملوا السفروك، وهي عصا تُرمى بدقة لتعطيل أرجل الخيل، إلى جانب الشوتال، وهو سيف منحنٍ يشبه الخنجر، لإسقاط الفرسان وشلّ قدرتهم القتالية.
– لقد أثارت هذه الانتصارات غضب الملكة فيكتوريا نفسها، التي لم تتوقع أن يتمكن مقاتلو الشرق من اختراق المربع الإنجليزي، ذلك التشكيل العسكري الذي اعتُبر أقوى أسلوب دفاعي بريطاني في القرن التاسع عشر، بل إن الشاعر البريطاني الشهير روديارد كبلنغ أقرّ في كتاباته وقصيدته المشهورة (فزى ويزى) بقدرة البجا الفريدة على اختراق المربع من الداخل، لا مجرد كسره، وهو اعتراف صريح بمستوى الشجاعة والابتكار العسكري الذي أظهره أبناء الشرق.
– كما أن الاتفاق التاريخي الذي أبرمه أعيان البجا مع الحكومة عام 1904م، يعكس وعياً مبكراً بأهمية الشراكة الوطنية وحماية المصالح القومية. فقد جسّد ذلك التزام أبناء الشرق بالمساهمة الفاعلة في بناء الدولة وحماية استقلالها، وهو عهد ما زال يمثل أساساً للمطالبة بالاعتراف بدورهم الاستراتيجي في الحاضر والمستقبل.
– واليوم، وفي ظل التحديات التي تواجه السودان، يظل شرق السودان مركزاً آمناً وحصناً منيعاً، وأبناؤه يتمسكون بوحدة البلاد، مع المطالبة بحكم ذاتي ينسجم مع تضحياتهم التاريخية ويحقق العدالة في السلطة والثروة .
– إن الوفاء لتضحياتهم، والاعتراف بحقوقهم المشروعة والتى نراها الان مهضومة ،حيث يعانى الشرق من الظلم البين والتهميش المتعمد وضعف قياداته وواجهاته القبلية والاجتماعية والسياسية (متصدرى المشهد)المشاركة فى السلطة والمقربين من متخذى القرار التى لا تستطيع ان تحدث اى تغيير ايجابى للمجتمع.
– وندق ناقوس الخطر فى ظل تزايد اطماع الاخرين فى موارد شرق السودان و عدم المشاركة الحقيقية لابناء شرق السودان مشاركة عادلة ( وليس ترميز تضليلى )على كافة المستويات ،مبنية على اسس عادلة تستند على معيار التعداد السجل المدنى(الرقم الوطنى) واهمية المناطق ،وتحقيق العدالة بين قبائل الشرق دون التميز فيما بينها على اسس مناطقية، والمحافظة على النسيج الاجتماعى وتفعيل قانون الادارة الاهلية. واستنادا الى ذلك يمكن حدوث ما لا يحمد عقباه .
– السبيل الوحيد لتعزيز استقرار السودان وضمان وحدته الوطنية هو المشاركة الفعلية لابناء شرق السودان فى ادارة الدولة فى كافة مستويات الحكم وفق المعايير الحقيقية للمشاركة، وذلك ليظل الشرق كما كان دائماًحارسا لبوابة السودان وحصنه المنيع.