(تسييس الحماية الدولية) /بقلم د. صلاح الدين محمدبدوي

*تسييس الحماية الدولية:*
– إن المراد بالتسييس هنا بيان دور الاعتبارات الدولية والمفاهيم السياسية في التأثير على حقوق الإنسان سواء تعلق الامر بالاعتراف بوجودها أو إقامة أجهزة للإشراف علي حمايتها واحترامها.
– ويظهر ذلك في انتهاج الدول لمعيار مختلف للتعامل والنظر في الانتهاكات التي ترتكبها اتجاه حقوق الإنسان، بحيث يتم التركيز كتيرا على انتهاكات ترتكبها بعض الدول والإغفال عن انتهاكات اخري اكثر جسامة ترتكبها دول اخري .
– تعود بداية تسييس الحماية الدولية لحقوق الإنسان عبر مبادرات فردية برزت إبان رئاسة (جيمي كارتر) للولايات المتحدة الأمريكية (1977-1981م) ومع انهيار (الاتحاد السوفيتي) تبنت بعض دوله المبادئ الغربية، عندها قامت دول أوروبا الغربية بربط مساعداتها لتلك الدول باحترام حقوق الإنسان، مستفيدةً من انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار مبادئه، كما برز هذا التسيس في فترة ما بعد الحرب العالميةالثانية، بوجود عملاقين متصارعين (الولايات المتحدة الامريكيه – الاتحاد السوفيتي) كانا يتبادلان الاتهامات بينهما بشأن حقوق الإنسان وانتهاكها، مع غض النظر عما تقوم به الحكومات الحليفة لهما ، وفضح ما يتم في دول المعسكر المقابل، فالولايات المتحدة مثلاً تفرض حصاراً علي كوبا يشمل هذا الحصار قيودا تجارية ومالية واسعة النطاق ويتم تبريره من قبل الولايات المتحدة للضغط علي الحكومة الكوبية لتغير سياستها وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان ، إلا أنها من جانب آخركانت تدعم الأنظمة الشمولية والعسكرية في أمريكا الوسطى والجنوبية ، والتي كانت أكثر شراسة في تعاملها مع حقوق الإنسان، ومن جهته مارس الاتحاد السوفيتي تعتيماً إعلامياً على انتهاك حقوق الانسان في الدول الاشتراكية ، لاحقا امتد ذلك التأثير ليشمل دول العالم الثالث.
– ربط حماية حقوق الإنسان بمصالح الدول المتحكمة – على المستوى العالمي ( اقتصاديا وعسكريا وسياسيا) أدى إلى الانتقائية و ازدواج المعايير في التعامل مع الانتهاكات التي تُمارس تجاه حقوق الدول وحريات الأفراد، وما يؤسف له على مستوى العمل الجماعي الدولي الذي تمثله الأمم المتحدة وجهازها التنفيذي (مجلس الأمن) إن الدول المتنفذة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، هي نفسها المتنفذة في هذه المؤسسة، ويستشف من ذلك أن التسييس يمكن أن يأخذ في كثير من الممارسات الدولية لباساً شرعياً، مما يؤدي إلى انتقائية عمل الأمم المتحدة ومرد ذلك يعود إلى آلية عمل الأمم المتحدة، وخصوصاً في استصدار القرارات، سواء داخل الجمعية العامة أو مجلس الأمن والذي يعتمد على أغلبية الأصوات، الا ان تعمد الدول الكبرى باستخدام الفيتو للحصول على دعم أو هدم قرار معين ، لذا إنشاء منظومة عمل متكاملة لوضع حد للانتهاكات التي تُرتكب بحق الدول و الأفراد وحرياتهم، لا يمكن تحقيقه مع عالم تشكل فيه المصالح الرائد الوحيد للعمل على المستوى الدولي، فلابد من أن تتنازل كل دولة عن مقدار ولو بسيط عن هذه الإنانية، ولو لإثبات حسن النية في مطالبتها بحقوق الإنسان، وبخلافه لا تشكل حقوق الإنسان أكثر من انها شمّاعة أو جسر لتحقيق غايات لا ترتبط بها اصلا إلا بمقدار خدمتها لتلك الغايات.
– لذا فأن موضوع الحماية الدولية يبقى منبعاً للعديد من النظريات والآراء الفقهية في القانون الدولي، وأيضاً يبقى مثاراً للجدل السياسي والاخلاقي ونقطة خلاف بين الدول، بعضها قد يتعلق بتجاوز من جانب دولة أو مجموعة دول في ممارسة اختصاصات معينة خارج حدودها الجغرافية، ودخولها في اختصاصات دول أخرى، وفي بعض الأحيان قد يشكل مجرد إعلان دولة أو اتخاذ هيئة دولية ما قراراً يتعلق بحقوق الإنسان، اتجاه دولة اخري قد ترفضه متسلحةً بالسيادة الوطنية علما بان انتهاك سيادة الدول لم تكن في يوم من الأيام ناتج من تفعيل قواعد الحماية الدولية، بل هو نتيجة مباشرة لوجود اختلال في النظام الدولي، بوجود دولة ذات نفوذ وسطوة لا تبالي إلا بمصالحها .
– فالحماية الدولية، لحقوق الإنسان تتمثل في جملة من الإجراءات التي تتخذها الهيئات الدولية، التي تأخذ من تلك الحقوق موضوعاً لِنشاطها، أو بصفة هذه الحقوق إحدى الميادين التي تهتم بها تلك الهيئات، وبالتالي فليس من الحماية الدولية المنظمة في شيء، تلك الأنشطة أو الضغوطات أو الممارسات (الجزائية) التي تقوم بها الدول تجاه الأخرى، بدواعي حماية حقوق الإنسان، إذ أن قواعد التعامل الدولي السليم يقتضي أن تحيل كل دولة ترى في تصرف دولة أخرى انتهاك لحقوق الإنسان إلى المنظمات الدولية المختصة بذلك الانتهاك، وأن تلفت عنايتها إلى مخالفة نصوص الاتفاقيات الدولية ذات الشأن ، وباعتبار الأمم المتحدة ممثلة لحكومات الدول مجتمعة، أصبحت ذات سلطة أعلى من الدول منفردة، فاستقر العرف في الأمم المتحدة على أن تنظيم مسألة داخلية في الاتفاقيات الدولية، يُخرجها من النطاق الوطني إلى النطاق الدولي ، إذ بقيت الحماية خاضعة وقبل كل شيء للمناخات الدولية، والتي تتحكم بها المصالح قبل كل شيء آخر بسبب ما يتضمنه المجتمع الدولي من تناقضات وتعارض و علاقات معقدة ومتوترة، بما افضي الي فقدان الثقة بوجود حماية دولية فعالة لحقوق الإنسان علي المستوي الدولي…. يتبع

د صلاح الدين محمدبدوي
S.mohamed.sm788@gmail.com