ضل الجناح / السودان في عين العاصفة: أمن البحر الأحمر بعد الضربة الإسرائيلية لإيران

ضل الجناح

السودان في عين العاصفة: أمن البحر الأحمر بعد الضربة الإسرائيلية لإيران
كتب : عماد حسن
في عالم تتداخل فيه الجغرافيا مع الجيوسياسة، وتتحول فيه السواحل إلى خنادق، والموانئ إلى جبهات صامتة، يعود البحر الأحمر بقوة إلى واجهة الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، وخاصة بعد الضربة الإسرائيلية الأخيرة على إيران، وما تبعها من امتصاص محسوب من طهران. هذا الرد الإيراني غير التقليدي لا ينبغي أن يُقرأ كإشارة ضعف، بل كتمهيد لمرحلة أكثر غموضًا، حيث تُنقل الحرب من العلن إلى الظلال، ومن المراكز إلى الهوامش. وهنا، يبرز اسم السودان—المنهك سياسيًا وأمنيًا—كساحة محتملة للاشتباك غير المعلن، وكنقطة تماس حيوية في هذا الشطرنج الإقليمي المعقّد.

إن ما شهده السودان مؤخرًا، خصوصًا في بورتسودان، من ضربات جوية غامضة يُنسبها البعض لجهة مجهولة، لم يعد بالإمكان عزله عن المشهد الإقليمي المتصاعد. بل يُفترض قراءته كجزء من سردية أوسع، حيث تُسجَّل كل حركة وكل ميناء، وكل طائرة، في دفاتر المعركة القادمة. فحين تنقل إسرائيل صراعها مع إيران إلى المجال البحري والهوامش الجغرافية، فإن البحر الأحمر لا يعود مجرد ممر مائي بل ساحة عمليات، والسودان لا يعود بلدًا محايدًا بل قطعة قابلة للاستخدام أو التفجير.

في ظل هذه المعادلات الجديدة، يتحول أمن السودان إلى سؤال وجودي، لا يخص فقط الدولة ومؤسساتها، بل يطال الإقليم بكامله. فغياب سلطة مركزية موحدة، وتعدد الفاعلين غير الرسميين، وتهافت القوى الإقليمية على النفوذ داخل السواحل السودانية، كل ذلك يجعل من شرق السودان منطقة رخوة، سهلة التوظيف في حرب لا تقال بأسمائها. وقد يتحول هذا “الفراغ” إلى فرصة استراتيجية لبعض القوى، وإلى تهديد استراتيجي حاد لكل من يسعى للاستقرار.

إن تحييد السودان عن الصراع لا يمكن أن يتم بالتصريحات وحدها، بل يتطلب مشروعًا أمنيًا–سياسيًا متكاملًا يعيد بناء مركز القرار، ويمنع استخدام الأرض كوكالة لحروب الآخرين. أما إذا استمر الوضع كما هو، فإن بورتسودان، وربما موانئ ومطارات أخرى، لن تبقى مجرد منشآت لوجستية، بل ستتحول إلى “نقاط اختبار” للردود الانتقامية، ورسائل القوة، وربما ساحات اشتباك فعلية.

في خضم هذا، يبدو أن الضربات النوعية الأخيرة في شرق السودان لم تكن حادثًا معزولًا، بل خطوة استباقية ضمن سيناريو إقليمي مدروس، يسعى لإعادة تشكيل مسرح العمليات في البحر الأحمر، بعيدًا عن الأنظار. وقد لا يكون بعيدًا أن نشهد في المستقبل القريب حربًا غير معلنة تُدار من تحت الماء، أو من الجو، أو من داخل غرف التحكم الإلكترونية، والسودان في قلب كل ذلك، حاضرًا إما بالفعل أو بالتجاهل.

إن البحر الأحمر لم يعد مجرد خط ملاحي، بل خط ناري. والسودان، ما لم يستعد زمام المبادرة، سيكون مرة أخرى ضحية صراعات لا يُستشار فيها، لكنه يدفع ثمنها بكل شيء.