محيي الدين شجر يكتب : “جبريل يُراوغ، وكامل إدريس على المحك”

محيي الدين شجر يكتب : “جبريل يُراوغ، وكامل إدريس على المحك”
بقلم: محيي الدين شجر
استمعتُ إلى لقائين مهمين أدلى فيهما وزير المالية السابق، د. جبريل إبراهيم، بتصريحات لافتة، وذلك بعد إعفاء الحكومة، بينما بقي هو خارج أضواء المنصب، لا خارج المشهد.
في حديثه، أشار إلى أن اتفاق جوبا للسلام نصّ على أن تبقى وزارات العملية السلمية في يد أطراف الاتفاق كما كانت، وكأنه يقرّ بأن موقعه في وزارة المالية “حق دائم”، وكذلك لحركة مناوي التي تحتفظ بوزارة المعادن.
الأدهى، أن جبريل لم يكتفِ بهذا التأويل، بل أفتى لرئيس الوزراء الجديد، د. كامل إدريس، بكيفية تشكيل الحكومة، وفرض عليه – ضمنًا – البدء بتعيين خمس وزارات معلومة سلفًا، بينها المالية التي يضع يده عليها، والمعادن، والتنمية الاجتماعية.
أما الدفاع والداخلية، فقد أوضح أنهما من اختصاص مجلس السيادة والقوات النظامية، لتُترك بقية الوزارات لرئيس الوزراء ليقوم باختيارها بهدوء وعلى مهله
اراد جبريل من رئيس الوزراء كامل ادريس ان يقوم بتعيين وزراء العملية السلمية الخمسة ووزيري الداخلية والدفاع ثم بعد ذلك على راحته في باقي الوزارات ..
من الواضح أن د. جبريل كان يطمح لمنصب رئيس الوزراء نفسه، بينما يراهن مناوي على مقعد في مجلس السيادة، بعد أن فقد موقعه كحاكم لإقليم دارفور قيمته، إذ بات الإقليم فعليًا خارج سيطرة حكومته، وتحت هيمنة مليشيا الدعم السريع.
تصريحات جبريل الجريئة تستند إلى ثقته كزعيم لحركة مسلحة ساهمت في الحرب، ومناوي يشاركه هذا الإحساس، مع اختلاف أن قوات مناوي قائمة ميدانيًا، بينما قوات جبريل منقسمة بينه وبين القائد صندل، الذي التحق بمليشيا الدعم السريع.
هذا هو واقع الحركات المسلحة اليوم: مطالب متكررة في السلطة، وحقائب وزارية لا تُمس.
لكن المفارقة الصارخة، أن جبريل الذي أمسك بوزارة المالية لخمسة أعوام، لم يُنجز مشروعًا واحدًا حتى في ولاية البحر الأحمر. جل ما فعل، أنه اتجه غربا ثم مَلك وزارته عقارًا فخمًا بحي المطار، سكنه هو شخصيا واستقرت وزارته في برج شاهق يُعرف بـ”برج الضمان”، قبل ان تنقل الى مبنى الوزارات في الدفاع الجوي ..
بينما تعطّلت المشاريع التنموية، وعلى رأسها مشروع كهرباء كلاناييب ببورتسودان، الذي ظل ينتظر دعمه بلا جدوى.
كان مكتبه بقيادة مديره، رمزًا للمماطلة وتعطيل المواطنين. حيث يُكبد طالبي اللقاء بالوزير عناء الملاحقات بلا طائل، وأغلق أبواب الوزارة في وجوه الجميع، إلا من وافق هواه.
ولدينا في رابطة الصحفيين السودانيين تجربة مريرة لا تُنسى؛ سلّمناه خطابًا رسميًا، وبعد شهر من الملاحقة طلبوا تعديله، وبعد شهرين أحالونا إلى موظف آخر… ظن مدير المكتب انه في برج عاجي وانه يدير وزارة ممنوع الاقتراب منها او التصوير عمل على عزل الوزير من الناس رغم اني التقيت الوزير مرتين ووافق على اللقاء..
لكن الأيام دول، ومن اعتلى الأبراج يوما قد يجد نفسه غدًا بين الأنقاض.
اليوم، يحاول جبريل أن يفرض شروطه على رئيس الوزراء الجديد، في أول اختبار حقيقي لاستقلالية د. كامل إدريس. فإما أن يُقصيه من وزارة المالية ويفتح صفحة جديدة للإصلاح، أو يُذعن للضغوط، ويخسر ما تبقى من رصيد الثقة والتغيير.
الوثيقة الدستورية المعدلة عام 2025، نصت بوضوح على تشكيل حكومة مستقلة غير حزبية. ما يعني أن على الحركات المسلحة اختيار وزراء مستقلين لا ينتمون إلى تنظيماتهم.
فإن استند رئيس الوزراء إلى هذه الفقرة، فإنه يملك – بقوة القانون – صلاحية إبعاد أي وزير غير مستقل، سواء كان جبريل أو غيره.
الكرة الآن في ملعب رئيس الوزراء… والاختبار بدأ.