ضل الجناح / عماد حسن : غسيل المشهد الحربي: حفتر في المثلث والإمارات في الكواليس

غسيل المشهد الحربي: حفتر في المثلث والإمارات في الكواليس

كتب: عماد حسن

■ في تطور لافت في مسار الصراع السوداني، برز اللواء الليبي خليفة حفتر في واجهة المشهد العملياتي بمنطقة المثلث الحدودي بين السودان وليبيا وتشاد، مسنودًا بقوات الدعم السريع. هذا الحضور المفاجئ والمكشوف، يثير جملة من الأسئلة الاستراتيجية حول التوقيت، والغاية، والجهات المستفيدة. لكنه أيضًا يكشف، إن تمعّنا قليلًا، عن أكبر عملية “غسيل سياسي-عسكري” للمشهد السوداني منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

■ حفتر كدرع تكتيكي: من يدفع ومن يستفيد؟

من الصعب فصل الظهور العلني لحفتر عن شبكة العلاقات الأمنية واللوجستية التي تربطه بالإمارات العربية المتحدة. فمنذ سنوات، تشير تقارير دولية إلى أن حفتر يُعدّ أحد وكلاء الإمارات الميدانيين في شمال إفريقيا، وحصل على دعم عسكري وتقني كبير من أبوظبي، يتضمن طائرات مسيرة ومنظومات اتصالات متقدمة، حسب تقارير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة (2020، 2021).

وبالتالي، فإن ظهور حفتر في السودان لا يمكن قراءته كخطوة عسكرية معزولة، بل هو إعادة توزيع للأدوار تم تصميمها بعناية من غرف عمليات استخباراتية إقليمية ودولية، لتصريف الأنظار عن الدعم الإماراتي المباشر لقوات الدعم السريع، بعد تصاعد الضغوط الدولية والأدلة الميدانية التي أحرجت الإمارات أمام المجتمع الدولي، خصوصًا بعد تقارير CNN، وBBC، وThe Guardian، التي وثقت عبور الأسلحة من أبوظبي إلى السودان.

■ السلاح الإماراتي: إعادة تدوير الرواية

لقد شكلت الأسلحة الإماراتية المضبوطة في أرض المعركة من قِبل الجيش السوداني واحدة من أقوى الأدلة على التدخل الخارجي في الحرب. ولكن، بظهور حفتر في الصورة، تصبح الإجابة الجاهزة: “هذه الأسلحة ليست لنا.. كنا ندعم بها حفتر، ولم نكن نقصد بها السودان”.

بهذه الرواية الجديدة، تحاول الإمارات أن تُحوّل نفسها من فاعل مباشر إلى مزوّد إقليمي عابر، وأن تنفي القصدية في تورطها في صراع الخرطوم، مما يخفف الضغط السياسي ويضعف أي محاولة لإدانتها على الساحة الدولية. هي عملية غسيل مكتملة الأركان، تشمل التعتيم، والتحويل، ثم إعادة التوجيه.

■ تشتيت الانتباه وتجميع الأوراق

الأكثر خطورة في هذا السياق، أن هذه الخطوة تبدو كجزء من هندسة لمرحلة “الخروج الناعم” من الحرب. فمع ظهور حفتر كفاعل علني، بدأ الرأي العام السوداني يتشتت نحو الغرب الليبي، وبدأت بعض التحليلات تُحمّله مسؤولية تعقيد الملف الأمني، بينما يجري في الكواليس إعادة ترتيب الأوراق مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في محاولة لتقريب المسافات، وصناعة “صفقة خروج” تحفظ ماء الوجه لكل الأطراف.

■ وهذا ما تؤكده مؤشرات متزامنة:

□ زيارة مدير الاستخبارات الإثيوبي إلى السودان واجتماعه سريًا، مما يدل على وجود مسارات خلف الأبواب المغلقة.

□ تحركات تشاد المتناقضة: من جهة إحباط تهريب أسلحة للدعم السريع، ومن جهة أخرى إرسال رسالة تهنئة للبرهان، ما يعكس سياسة توازن دقيقة، وتهيئة لحلول وسط.

□ هدوء نسبي في عدد من الجبهات، وتقارير عن محادثات أولية غير معلنة في إحدى العواصم الإقليمية.

■ ماذا بعد؟ نهاية الحرب أم مرحلة جديدة؟

إذا صدقت هذه القراءة، فنحن أمام مرحلة “ترتيب الخروج” لا استمرار الحرب. وكلما زاد التركيز الإعلامي على حفتر، كلما وجدت الإمارات نفسها في موقع “المراقب البريء”، متحررة من اتهامات دعم الميليشيات. في المقابل، سيتجه الداخل السوداني إلى امتصاص الصدمة وإعادة التموقع السياسي، بانتظار صفقة إقليمية كبرى قد تشمل ترتيبات انتقالية جديدة.

□ لكن، في المقابل، فإن هذا السيناريو لا يخلو من المخاطر:

□ فتح جبهة المثلث الحدودي قد يؤدي إلى إعادة تدويل الحرب، وربما تدخل قوى جديدة.

□ إعفاء الإمارات من المسؤولية قد يعمق الانقسام الداخلي ويعطل العدالة.

□ أي صفقة تُبنى على تغييب الشعب والضحايا ستبقى هشة، وقابلة للانفجار مستقبلًا.

■ إن ظهور حفتر في المثلث الحدودي ليس مجرد تطور ميداني، بل هو خطوة محسوبة ضمن أكبر عملية هندسة استخباراتية للمشهد السوداني منذ بدء الحرب. هدفها ليس الحسم العسكري، بل غسل الأيادي، وإعادة رسم المسارات، وتفكيك الأدلة، وتمهيد الطريق نحو مرحلة ما بعد الصراع. ويبقى السؤال الأهم: هل سيكون الشعب السوداني طرفًا في هذه الصفقة؟ أم مجرد ضحية جديدة لها؟