الرجوع والعودة في الاغاني السودانية( 9-10)* *(من غير ميعاد قمّحوا السودان قماح)*

في خواتيم هذه السلسلة من المقالات كل امنياتنا ان تنتهي هذه الحرب اليوم قبل الغد ويعم السلام هذه البلاد وتكون (العودة) مؤكدة و ذات طابع جاد وخالية من اي اغراض خفية او( جهجهة) وتعلن كل اطراف الحرب انها كانت اخفاقاً (عبثياً) كبيراً مثلما قالوا في بدايتها و ان يعترفوا بانهم جاروا في حق الشعب السوداني جاهزون و مستعدون للحساب.. وقتها ربما نغني لهذه (المفاجأة) اغنية التجاني سعيد( من غير معياد) و مثلما قامت هذه الحرب اللعينة دون معياد ولا (اعلان للحرب ) حتي للقيادات العليا من الجيش حيث تم القبض علي قادة و رتب عظيمة من الجيش وهم في طريقهم الي عملهم المعتاد و تفاجوا بالامر بل ان الجيش لم يكن علي درجات الاستعداد فوق العادة كما هو معلوم في هذه الاحوال نتمني ان تكذُب كل توقعاتنا وتنتهي الحرب بذات طريقة بدايتها (من غير ميعاد) و نتلاقي مع سلام يعم ربوع بلادنا الحبيبة بعيداً عن اي عودة كذوبة و (شغلة مجهجة) فاللقيا اجمل في حقيقتها بلا انتظار فقد طال انتظارنا ثم نردد مع الهرم المرحوم محمد وردي من كلمات التجاني سعيد :-
*من غير ميعاد*
*واللقيا أجمل في الحقيقة بلا انتظار*
*صحّيتي في نفسي الوجود*
*ورجّعتي لعيوني النهار*
وليت النهار يعود لعيون هذا الوطن الجريح و شعبه المغلوب علي امره…
كنت قد استفسرت و سالت بعض الاصدقاء ان مرت بهم نصوص غنائية جميلة تعبر عن احوالنا في هذه الحرب في زمن الانحطاط بكل شيء في بلادي وعلو شأن (القونات) في هذه (الحرابة الخرابة) فكانت الاجابات بالنفي و اننا اضحينا فقراء في كل الجوانب واصبحنا في (عصر التفاهة) السياسية والادبية و الفنية …
في ذات مرة من (المراير) والاحظات الكئيبة وقع في يدي بالصدفة و (من غير ميعاد) نص اغنية لفنان الطمبور الرائع عبد القيوم الشريف ومن اشعار خالد الباشا اغنية احسست انها الاكثر تعبيرا والاجمل في مفرداتها في عصر صرنا فيه نسمع ولا نستمع للتفاهات لانها صارت تملأ دنيانا فتعالوا معي للنص عله يداوي بعض من الجراحات المنوسرة :-
*يا وليدي الحالة عامة*
*و مافي بيت برا من جراح*
*نسأل الله السلامة*
*و عتمة يجليها الصباح*
*يا سكاكين في قلوبنا*
*عمّقت فينا الجراح*
*وجعة الوطن النحبو*
*يبكي سامعين النواح*
نص الاغنية يعكس الألم والجراح التي يعانيها اهل السودان في (العالم مصهين) عن ابشع حرب في الساحة لا تعرف ادب القتال والحروب و قوانينها رأينا فيها ابشع المناظر التي تستعصي علي الوصف لما بها من قبح لا تعرفه الاديان او الاخلاق الانسانية…
و الاغنية تعبر عن الشوق إلى السلام والأمان بوضوح لانه لا يوجد بيت لم يتأثر بالجراح والألم في هذه الحرب ( السودانية السودانية) فهذه الاغنية تعبر عن حجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني بصدق ..
*الحساب يوم القيامة*
*يوم يجئ الدم و السلاح*
*يوم تقيف الطلقة تامة*
*و ينطق التاح و التراح*
*عاد منو الكتل الحمامة*
*و قمّح الخرطوم قمّاح*
*يا وليدي الجاتنا جاتنا*
*و مافي حق عند الله راح*
ايمان تام بان الحقوق لا تضيع عند الخالق واننا متقبلون نتائج افعالنا وراضون وان الحساب عند الخالق يوم يفر المرء من اقرب خلق الله اليه من البشر (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ).. اليست هي ما يسمونها الحواضن الاجتماعة في هذه الحرابة؟!؟!؟!
يبدو ان الشاعر فقد العشم في قضاء الدنيا و ينتظر حساب الاخرة رغم الامل بالفجر القادم وصباحاته إلا ان حجم الخسارة والالم عميق لن تحكم فيه بالحق محاكم الدنيا الجنائية ..
*اوعى تشكي اوعى تبكي*
*لما تطرى الراح و تحكي*
*عن ضرا المنقة و مقيلا*
*و لمة الجيران عصاري*
*و قهوة أمك و جنزبيلا*
*بوجع البيت يا حبيبي*
*إلا مافي اليد حيلة*
*جاتنا من الله المواجع*
*و مافي غير نركز نشيلا*
بكاء ونحيب تتفطر له الا وانتظار (العودة) الي الديار و(البيت)المنهوب هو الوطن في اصغر دوائره بلاشك ومازال الامل يكبر و احتمال الاذي قائم يزيد العزائم و (مافي غير نركز نشيلا) ..
نشيل الجاتنا من العبث السياسي ..
*الله يلعن ها السياسة*
*القطعت وصل القرايب*
*كبو حقد الدنيا كلو*
*موية في جحر المصايب*
*و نحن آمنين في بيوتنا*
*جونا مارقين كالعقارب*
من خلال تحليل النص يمكن القول أن الأغنية تعبر عن معاناة أهل السودان في ظل الحرب و تعبر عن الشوق إلى السلام والأمان والاغنية تعكس الألم والجراح التي يعاني منها الشعب السوداني، ويعبر عن الرغبة في الخلاص من هذه الحرب اللعينة وكل من اشعل فتيلها و اجج نيرانها..
وختاماً نسال الله ان تكون النهاية اليوم قبل الغد وايضاً (من غير معاد) مثل ما كانت البداية المحزنة…
سلام
محمد طلب