فاطمة عثمان تكتب : السفر بالقطر .. (المشوار البيفتح ليك درب جديد)

فاطمة عثمان تكتب : السفر بالقطر .. (المشوار البيفتح ليك درب جديد)

 

القطر في السودان ما مجرد وسيلة مواصلات، هو تجربة، رحلة بتاخدك من نقطة لنقطة، لكن بين المحطتين في ألف حكاية وألف مشهد وألف زول ممكن تتعرف عليهو.

 

أول ما تقيف  الصفارة والباب يتقفل، والعجلات تبدأ تدور، بتحس إنك دخلت عالم مختلف. عالم القضبان الممتدة قدّامك، والعربات البيتحركن في انسجام، والناس البيشقوا السفر وهم شايلين معاهم الأمل، الشوق، والونسة.

الدرجات.. كل زول وقدرتو، لكن المشوار واحد

القطر مقسّم لدرجات، لكن في النهاية كلنا راكبين في نفس القطار، مسافرين في نفس الاتجاه.

– الدرجة الأولى الممتاز دي ما قطر، دا بيت متحرك، سرير ولا سريرين، حوض غسيل، وسبّاتة تشيل شنطتك وكأنك في غرفتك.

– الأولى نوم، للناس البحبو يسرقوا غفوة بين محطة ومحطة، يختو رأسهم ويرتاحوا، لكن ما عارفين إنو النوم في القطر حاجة صعبة، لأنو الرحلة ذاتها أجمل من أي غفوة.

– الثانية والثالثة والرابعة  هنا الحياة بصورتها الحقيقية، الناس القاعدين يتونسوا، و الشبابيك المفتوحة للهواء والدهشة.

 

والبابور؟ قاعد قدّام، ينهج، يعرق، لكن صامد، زي زول شايل هم السفر فوق كتفو وماشي بيهو من مدينة للتانية.

اما والمنامة؟ دي غرفة السواقين، تناوب بينهم، لأنو القطر ما بيوقف، والسكة ما بتنتظر زول.

 

ركبنا القطر.. وبدأت المشاهد تمرق من الشباك

أنا من حظي السمح، طلع مقعدي جنب الشباك، ودي فرصة نادرة، لأنو المنظر الساكت كفاية يخليك تحس إنك في حكاية مكتوبة بلغة السكة حديد.

 

الشجر الماشي ورا، الحقول المترامية، البيوت الطينية، والأطفال الواقفين على طرف السكة يلوحوا لي القطر كأنو صديق قديم، وما ننسى المدن الصغيرة المارة بيها القطار زي زائر عابر، لكنها ما بتفارق الذاكرة.

 

ريحة الزوادة.. الجوع الما عندو زمن

في قطر، الجوع عندو طريقة غريبة. رغم إنو في **عربية بوفيه**، لكن كل زول شايل زوادتو، وده الجزء البديع. مرة تجيك ريحة طعمية سخنة  ومرة جداد محمّر، ومرة بطاطس محمّرة بالشطة الريحة لحالها كفاية تذكرك إنك جوعان، حتى لو كنت شبعان.

 

لكن اللطيف إنو الزوادة هنا ما بس للأكل، هي وسيلة تعارف. فجأة تلقى الزول الجنبك مدّ ليك صحنو وقال ليك: ياخ ذوق الطعمية دي.. معمول بي مزاج.وزي العُرف القديم، كل زول يطلع زوادتو، ويبدأ التبادل. اللقمة ما بتتاكل براها، دايماً في زول يشاركك فيها.

 

البياعين.. روح القطر المتحركة

وأهم ناس في القطر، البياعين. ديل شرايين الرحلة، شايلين معاهم موية، فواكه، فول، تسالي، كل حاجة ممكن تحتاج ليها وأنت في نص المشوار. وما ننسى سيد الشاي، الراجل العارف كيف يخلي الناس تشتري منه بذكاء. يجي داخل العربية، ويغني لي شايهو:

 

شاي جمييييل عاملنو بي مويه النيل..

شاي سادة عاملوا حمادة..

 

والناس تضحك، وتشرب الشاي، وتواصل الرحلة.

السفر بالقطر.. أكثر من مجرد انتقال

السفر بالقطر بيفتح ليك نوافذ جديدة، بيعرفك على ناس، وعلى مدن، وعلى ثقافات. حتى لو كنت ماشي لمكان أول مرة تزورو، بمجرد ما تتونس مع الناس الجنبك، بتلقى نفسك عرفت عنو حاجات كتيرة.

 

القطر ما بس حديد على قضيب، هو حكاية في كل رحلةحياة ماشّة قدّامك، وأنت جزء منها

فاطمة عثمان محمد مصطفى