الفقر عنوان البلد

*الفقر عنوان البلد*

الفقر الذي اعنيه ليس الفقر المادي بقدر ما هو فقر في كل مجالات الحياة والخواء الذهني والعلمي والمعرفي والفكري وغياب القدوة….

اصبحنا فقراء في كل شئ بلا استثناء وبعد ان كنا بلد (الموارد البشرية) في العديد من المجالات اصبحنا بحاجة ماسة لبشر يديرون لنا كل شئ في حياتنا وفي ذات الوقت لا نملك المال لجلب ما نحتاجه من معينات ومعينين رغم ان الطبيعة والقدرة الالهية جعلتنا في ارض غنية بالموارد ولا مجال للوصول اليها في ظل الفقر المعرفي والعلمي والسياسي والمادي وبالتالي عدم المقدرة علي فعل اي شئ سوي العيش في ظل الفقر الذي قد يضطرك لبيع كل شئ بما في ذلك الدين والارض والعرض.. وكل شئ

وما نحن عليه الان من احتراب و ما ظللنا عليه منذ الاستقلال ما هو الا ظواهر لهذا الفقر المعرفي والثقافي وتوسعة مواعين الايجابية
وكل الانظمة او بالاحري (اللانظمة) التي تعاقبت علي البلاد ما كانت الا ترسيخ لعدم الوعي و(اللامعرفة) والظواهر كثيرة تضيق بها هذه المساحة

ناهضنا ما اسموه بالاستعمار ورددنا الاغاني واحاطت بنا الاماني وكانت البصائر عمياء
فقلنا بنشوة وحماس
*يا نُزلاءنا امرقوا الذمة كيف ينطاق هوان الامة*… طبعا اذا ربطنا هذه الاغنية بزمانها ربما لا تبدو اكثر تعبيراً اذا ما اسقطناها علي ما نحن عليه في هذا الزمان والمؤسف انها قيلت في مناهضة (الاستعمار) لكنها تعبر بشكل حقيقي عما فعله (اولاد البلد) الذين قال عنهم الطيب صالح رحمه الله من اين اتي هؤلاء؟؟ الذين فعلوا حقاً ما جاء بالاغنية *فذردوا حلوقنا واكلوا حقوقنا ديل دايرين دمانا تسيل* اليس هذا هو ذات مانحن عليه الان و بايادينا من قتال ودماء ..

هذا التراكم من الاختلال اوصلنا الي مرحلة يصعب الخروج منها كما ان عدم وجود القدوة في البيت والمدرسة والشارع والمجتمع ووووو هو كارثة حقيقية
فالقدوة تخلق القادة في كل المجالات وتبني الامم
نحن مجتمع مسلم وفي كل وقت نقول (الرسول قدوتنا) وفي ذات الوقت نحتفي (بالهمباتي) وحتي(الشرامي) و(الحرامي) و يروج اعلامنا لادب (الهمبتة والشفتنة) فكيف بالله عليكم يكون صلي الله عليه وسلم قدوتنا اننا في عالم الاكاذيب و(ارض النفاق) اننا لم نعش الدين ولُبه واخلاق النبي بل اخذتنا العواطف نحو مظاهر التدين و اقنوعنا انها الدين …
كيف نكون اهل دين وتقوي والقرية الصغيرة بها عشرات المساجد الجميلة و اهلها يفتقدون ابسط مقومات الحياة الكريمة ويواجهون صعوبات في خدمات اساسية من مياه تروي الظماء وتسقي الزرع والضرع…. في حين ان القيمة المالية لمسجد واحد يمكن ان تحل مشكلة المياه تماماً…

مجتمع يعش اقل من نصفه علي الحافة وحياة الكفاف والنصف الاخر في غيابت الجب وما تبقي يعيش الرفاهية وربما يمارس الخيانة وكل رزيلة ويبني المساجد في ذات الوقت معتقدا انها الدين

اعتدت ان اجمع حولي مجموعة من الاطفال لاعتقادي انه من خلالهم يمكن معرفة احوال البلد والناس عموماً لان الاطفال اصدق مرآة تعكس الاحوال دون تشويش

في يوم جمعت حولي مجموعة من الاطفال والتلاميذ في مراحل مختلفة جمعتهم في انس لطيف بحرية كاملة في التعبير فكانت النتيجة التي خلصت لها اننا شعب بلا (قدوة) في كل المجالات
حين كان سؤالي لهم ماذا تريد ان تصبح في المستقبل فكانت معظم الاجابات (لاعب كورة) وعندما سالتهم (زي منو كده) ؟؟ كانت اجاباتهم باسماء اجنبية لامعة في هذا المجال يعلمون انها تكسب الاف الدولارات في الساعة وليس اليوم ثم ادرنا نقاش حول هذا الامر فهو ما يحبونه و دعنا نكن معهم فيما يحبون فقلت لهم هل بمدارسكم يوجد اهتمام بهذا المنشط وهل بالاحياء توجد ميادين وهل توجد اكاديميات لهذا المنشط فقاطعني اكثرهم (شفتنة) (وين يآآآ هو ديل خلو ارض فاضية لي ميدان) فضحكت وضحكوا معي بصورة انستنا الحرب وماسيها بينما ادخلتني في حزن عميق حاولت تجاوزه وقلت لهم هل تعلموا كم لغة يتحدثها اللاعب (فلان) فرد احدهم سريعاً وقال اربعة لغات وعددها الواحدة تلو الاخري ومعلومات لا اعرفها فباغته كم لغة تعرف انت؟؟ فكان رده الذي اضحكني معبراً جدا (وين يآآآ) رداً لا يحمل جملة مفيدة (لذلك كان اصدق تعبيراً عن انه لا يعرف حتي التعبير بلغته الام ) فقد اصبحت جمل مثل (وين يآآآ) و (هويي يآآآآ) وما شابهها هي (ادبنا) في الاغنيات والامنيات والتظاهرات والنداءات…… ثم اردف ذات (الشفت) (هومدارسنا دي مدارس يآآآ) حينها ابتسمت وادركت ان اطفالنا نفسهم يدركون مشاكلهم ولكن ما باليد حيلة…. وقلت لنفسي ربما انهم قد يحملون حلول لهذه المشاكل فدعني اواصل فقلت لهم (طيب نحن ما عندنا مدارس ولا ميادين ولا اهتمامات بالمناشط وووو) اذن كيف يمكننا الوصول لمستوي لاعبي كرة القدم العالميين الذين يجيدون اكثر من لغة؟؟؟ فاتاني الرد هذه المرة من اكثرهم صمتاً وافخرهم حجماً وربما اكبرهم سناً كان رده حاسماً وقاتلاً ومختصراً في كلمتين احداهما (يآآآ) وكان رداً سريعاً(السمبك يآآآ)… يا الهي… هل وصل بنا الحال لهذه الدرجة .. حينها اصابني دوار وقلت لهم اتركوني الان فقال اصغرهم (زهجت ياعمك ولا شنو) ثم انطلقوا وتركوني في حزن عميق وسالت نفسي هل الانفتاح المعلوماتي هو ما جعلنا نشعر بهذا الفرق الهائل بيننا والاخرين ام ان الانتماء للمعلوماتية نفسها والعالم القرية هو ماجعلنا نشعر بكمية الفقر التي نعيشها في كل الجوانب وماذا اعددنا لمجابهة ما قد تحمله هذه المعلومات الكثيفة والمتاحة غير (الحجب) واردفت بسؤال اخر هل عقم رحم بلادي اما ان هناك عملية ازالة رحم قد تمت عن قصد فلن تلد بلادنا جكسا اخر ولا قاقرين ولا وردي ولا عثمان حسين
كنت اود ان اسالهم عن برعي والدحيش و شواطين واخرين لكني ادركت انهم لم يسمعوا بهم وادركت انه لا مجال للحديث عن طه بعشر وحسبو او عمر بليل ومن يمكن ان يكونوا (قدوات) في مجالاتهم وعرفت انه لا يمكنني الحديث عن عبد الله الطيب وفراج الطيب وعلي المك ولا يمكن ان يطربهم احمد المصطفي وحسن عطية وكابلي وعثمان الشفيع انهم جيل (هوييي يآآآ دي منو دي) فكيف اسالهم عن التجاني يوسف بشير وادريس جماع الهادي ادم.. ونسيت اننا في زمن (القونات) لن نحرز هدفاً علي الاطلاق مع هذه (القلعات الدولية) وفي اعلام الاغاني دون المعاني لن يعرفوا علي شمو وبولاد وحمدي بدر الدين و(فرسان في الميدان) و(محراب الاداب والفنون)… لقد كان السودان بخير وكان الاباء يسمون علي (القدوات)مع الامنيات الازهري والمحجوب والصادق وزروق وحتي عبود والنميري لكن في هذه السنوات العجاف افتقدنا للاسف من نتمني ان يكون الابناء مثله فبحثوا بانفسهم في الاجواء المفتوحة فارادوا ان يكونوا زيدان ورونالدو و رونالدينو وميسي وامبابي وصلاح …. ولن يكونوا فالسمبك لا يستطيع حمل هذا الكم الهائل من اجيال المستقبل فماذا نحن فاعلون متي ما وضعت الحرب اوزارها ؟؟؟

سلام
محمد طلب