الحرب لا تنتظر… وعلى رئيس الوزراء أن يسند الحقائب لمن أثبتوا الكفاءة”

“الحرب لا تنتظر… وعلى رئيس الوزراء أن يسند الحقائب لمن أثبتوا الكفاءة”
بقلم: محيي الدين شجر
في قلب المشهد السياسي السوداني المتقلب، يجد رئيس الوزراء كامل إدريس نفسه في مفترق طرق حرج، وسط مطالب متصاعدة من شركاء العملية السلمية بالحصول على وزارات بعينها مثل المالية والمعادن.
الرجل الذي جاء بطموحات كبيرة وأحلام لا سقف لها، بدا في خطابه الأخير وكأنه يريد تحويل “الفسيخ إلى شربات” في بلد يرزح تحت وطأة الأزمات والنزاعات المتشابكة. وكما وصفه أحد الصحفيين الروس في تحليل لخطابه الأخير: “رئيس وزراء يحلم بإقامة جمهورية سويسرية على أنقاض صومال!”
لكن الواقع السوداني لا يترك مساحة كبيرة للأحلام الوردية. فالمعادلات الصعبة، وضغط الحركات المسلحة، وتوازنات اتفاق جوبا للسلام، كلها تفرض على إدريس أن يعيد النظر سريعًا في استراتيجياته.
الوقت لا يسمح بالمزيد من التردد
التحديات تفرض على رئيس الوزراء أن يتحرك بواقعية… أن يختار حكومته بنفسه… وأن يبتعد – ولو مؤقتًا – عن فكرة التقديم الإلكتروني و”المعاينات المثالية” التي لا تناسب ظرف الحرب والخراب الراهن.
هناك أسماء بارزة أثبتت جدارتها وكفاءتها في الفترة الماضية، مثل وزير الصحة الدكتور هيثم محمد إبراهيم، ووزير الطاقة والنفط المهندس محيي الدين نعيم… وهما نموذجان للكفاءة والاستقلالية، اختارهما البرهان سابقًا بعيدًا عن المحاصصات الحزبية والجهوية… والتجربة أثبتت نجاحهما على الأرض: أداءً، وابتكارًا، ونزاهة.
على كامل إدريس أن يتحرك سريعًا… فالأوضاع لا تحتمل الانتظار… وعليه أن يتخذ قرارات حاسمة بتثبيت هذه الكفاءات قبل أن تدخل البلاد في متاهة جديدة من التفاوض والمحاصصات.
مرحلة جديدة… ووزراء جدد
من جهة أخرى، نرحب بتعيين وزيري الداخلية والدفاع الجديدين، على أمل أن يقدما الإضافة المطلوبة في الملفات الأمنية والعسكرية الأكثر سخونة في البلاد.
وهنا لا بد من كلمة حق: الوزير السابق للداخلية، الفريق خليل باشا سايرين، كان من أنشط وأكفأ وزراء الداخلية الذين مروا على السودان في الآونة الأخيرة. قاد الوزارة بحيوية وترك بصمات واضحة في كافة مفاصل العمل الشرطي والأمني… لكن تقديرات القيادة بطبيعة الحال تختلف عن تقييماتنا كمتابعين من خارج المشهد التنفيذي.
التوازن بين الكفاءات واستحقاقات السلام
نصيحة الدكتور جبريل إبراهيم لكامل إدريس بأن يبدأ بتشكيل الوزارات الأقل خلافًا، تظل واقعية… مع ضرورة احترام استحقاقات اتفاق جوبا بمساراته المختلفة: الشرق، الوسط، الشمال… فكل هذه المسارات لها نصيب معلوم لا يمكن تجاوزه.
الحقيقة التي يجب مواجهتها أن رئيس الوزراء – رغم رغبته في تشكيل حكومة كفاءات خالصة – سيجد نفسه، وبفعل ضغط الواقع، أمام حكومة محاصصات بنسبة تكاد تصل إلى مائة بالمائة.
الحرب مستمرة… والحلم بالتعمير مؤجل
الأخطر من كل ذلك… أن البلاد لا تزال في قلب معركة عسكرية مفتوحة… والحديث عن إعادة الإعمار وقرب انتهاء الحرب يظل حتى اللحظة مجرد أمل يداعب القلوب، لكنه بعيد عن حقائق الميدان.
العدو يرتب صفوفه… ويستعد… وإذا لم نحسن قراءة الموقف العسكري وموازين القوى بدقة… فإن أي حديث عن البناء والإصلاح سيكون ضربًا من التمني الخادع.
ختامًا… لا يسعنا إلا أن نتمنى التوفيق لرئيس الوزراء كامل إدريس في مهمته الشاقة… وأن يتخذ قرارات جريئة… قبل أن يسبق الواقع الجميع.