الأنادي في البلد / بقلم سيف الدولة عبدالله البنا

الأنادي في البلد
‐——————-
الأنادي جمع إنداية فى لهجتنا وهو مكان يتنادي إليه الأصدقاء والأنداد للهو والسمر ، والنادي في كلام العرب المجلس الذي يَنْتَدِي فيه القوم أي يَجْتَمِع فيه السُمّار ،وفى القران الكريم قوله تعالى(فليدع ناديه سندعو الزبانيه/كلا لاتطعه واسجد واقترب) ولعل الخطاب لرسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم عندما هدده ابوجهل بانه اذا صلى فى الكعبه سيدوس علي راسه .فجائته بشارة المنعه من الجبار المتعال..[اسجد واقترب]وهذا يوكد ويثبت كلام علماء الدين بان العبد اقرب مايكون لله وهو ساجد… بلدنا في ذلك الزمان واعنى كل السودان كانت اجتماعية بجدارة حلوة المعشر أهلها
طيبون ويعشقون الطرب واللهو ويذكر أنه حتي حقبة السبعينات كانت تجاور السوق وبعيدا خارج القريه ما يسمي( الأنادي ) ، والأنادي عبارة عن ثلاث مرابيع كبيره ، في كل مربوع مجموعة من الغرف الواسعة (قطيه من نبات النال وكرنك او راكوبه ظهر تور) والتي تحتوي علي عدد من ال ( بنابر ) ( بمبر ) لجلوس الرواد مصنوع من الخشب ومنسوج من الحبال ، وتتنافس الأنادي فيما بينها لصناعة المريسةبالجودة المطلوبة ، وسماحة المعاملة من طاقم الانداية المكون من عدد من الحسناوات ٠
تُصنع المريسة من الفتريتة ، وهو نوع من أنواع الذرة ، وذلك بعد تخميره بطريقة معينة ، ويحتفظ بها في أزيار كبيرة ، وتباع للزبائن بمعيار يسمي. ( العبّار ) والعبار تقريباً سعة جالون اليوم ويُصب بعد سداد قيمته في ( القَرعَة ) وهي وعاء من القرع المجفف قُسمت الي نصفين ويتناول السُمّار المريسة بوعاء هو أيضاً. ( قرعة ) ولكنها من الحجم الصغير ، (ولعل الطرفه المعروفه ايام الاستعمار عندما جاء الخواجه للاندايه لتحصيل رسوم والشيخه وضعت امامه العبار لتكريمه وعندما شربه وهى غير مصدقه اطلقت زغروده وجمعت المتسامرين جميعا وهى تردد بان الخواجه اسلم) وعادة ما يتكاثر الرواد عند الثانية عشر ظهراً تقريباً بطليعة تجار الخضار والذين يبدأون يومهم عند الخامسة صباحاً حيث ينتهي سُوقهم عند العاشرة تقريباً ، فيتناولون وجبة الافطار في المطاعم ( بلدي بالشوربة ) أو ( بلدي بأم رقيقة ) ويعلو الصحن عظم كبير يتسلل لحمه في الأيدي من شدة النضج ، بالاضافة الي طلبات أخرى بقموس عدس أبيض أو فاصوليا ,اوكمونيه من عمنا العبيد، ثم يتبعونه بكوب من الشاي السادة المنعنع ، ومن ثم يتوجهون بدوابهم ( الحمر بضم الحاء فى الفصحى والحمير فى عاميتنا )
من الجاذر فى زي العرابيب
حمر الحلى والمطايا والجلابيب
ان كنت تسال شكا فى معارفها
فمن بلاك بتسهيد وتعذيب
هكذا قال المتنبى.لكن رواد الاندايه مطاياهم بعضها يوافق البيت الاول وربما جمال وجياد إلي الأنادي ويحملون معهم كمجموعات كل ما تحتاجه ( الحَلّة ) وهي وجبة كاملة الدسم ، عبارة عن لحمة ضأن بمواصفات مختارة وطماطم وبصل وشطة خضراء من أحسن ما أنتجته مزارع الشرفه ودلوت والرفاعيين الخاصة ، ولا ينسون أدوات الكيف من تمباك وسجائر وتتم عملية طهي ( الحلة )أثناء تناولهم للمريسة والرواد الأكثر عضويه وفعاليه هم الجزارون ..
تصديق الأنداية ورخصتها من صلاحيات المجلس البلدي ، وتعتبر رسوم الترخيص والكشف الطبي مصدر من مصادر إيرادات المجلس في ميزانيته السنوية ، وإدارة الأنداية شأن تقوم به النساء (الشيخه) بعد حصولهن علي الرخصة ، والتي يُشترط فيها الكشف الطبي وحسن السير و السلوك ، والتعهد بعدم بيع أيّ خمور أخري أو ممارسة أيّ أعمال. غير بيع المريسة ، والإلتزام بمواعيد الاغلاق٠
وكما ذكرت إن إرتياد الأنادي يبدأ عند الثانية عشرة ظهراً ثم تزدحم بصورة ربما يتعذر وجود بنابر للجلوس لمن جاءوا بعد الثالثة ، وتبدأ المجوعات في التقارب شيئاً فشيئاً حتي تصبح الأنداية كلها مجموعة واحدة للتباري والمجادعة بفنون الدوبيت ، وتنتهي القعدة عادة بأغاني الحماسه٠
كل ما سبق ومالم اتمكن من ذكره وثق له الأستاذ الطيب محمد الطيب في كتابه الاندايه الطبعه الأولى وليس المنقحه ممن ينكرون الماضي ولايجتهدون في إصلاح الحاضر. وإذا قرأته ستجد المسرح والشخوص مطابقه لاندايتنا بأسمائها ورموزها والماعنده قديم ما عنده جديد..وطبعا فى عموم ربوع السودان كان الاعتقاد بان المريسه غير مسكره ولذلك تجدها في افراحهم وعموم مناسباتهم ٠والخالق وحده نسأله الغفران والهدايه والرشد والعمل الصالح وحسن الختام.

سيف الدولة عبدالله البنا