في ذكرى ميلاده الخامس و الثمانين (١٩ يوليو ١٩٣٨) على عبدالرحيم : المدير الأكبر للموانئ السودانية

في ذكرى ميلاده الخامس و الثمانين
(١٩ يوليو ١٩٣٨)
على عبدالرحيم :
المدير الأكبر للموانئ السودانية و أمير المديرين السودانيين
بقلم /
محمداحمد عبدالقادر
= كل مدراء المواني من بعده يدورون في فلكه و يبحرون باشرعته و يحلقون باجنحته.
= كل الذي تم في الموانىء من بعده ما هو إلا توسعة للدائرة التي رسمها، مع تراجع كبير في القيم والمبادئ التي ارساها.
= معاداة الشيوعيين له حرمت السودان من مشروع ميناء سواكن الجديدة، و حرمت البحر الأحمر من مشروع مياه دولبياي.
* أوائل الثمانينات دعا السيد /على أحمد عبد الرحيم علي مدير عام هيئة الموانىء البحرية لاجتماع بالقيادات التنفيذية بالهيئة. بإحدى قاعات مركز التدريب التابع للهيئة… لم أكن قيادياً ولا تنفيذياً و لكني ( حشرت ) نفسي في الركن القصي للقاعة وحضرت الاجتماع. كما يظهر في الصورة التي التقطتها زميلي العزيز سيف الدين جعفر. و انا اجلس ( مُتمحن ) بين المرحوم يوسف حسين و الدكتور أمين موسى… كان هذا اول اجتماع احضره لمدير عام الهيئة… الاجتماع كان اقرب للمحاضرة… الرجل كان يطرح أسئلة ثم يجيب عليها إجابة الخبير العالم ببواطن المواني… انتهى الاجتماع و بدأ إعجابي الشديد بهذا الرجل.
* ما دار في الاجتماع و انطباعي عنه كتبته في مقال بعنوان (من وحي اجتماع السيد المدير العام بالقيادات التنفيذية)… حرصت على نشره بأفضل صورة ممكنه، و من أجله أدخلت الورق الملون لأول مرة في مجلة سنجنيب التي كانت تصدرها الهيئة… و ما أن صدرت حتى أخبرني رئيس القسم أن المدير العام يريد مقابلتي… شعرت بقدر كبير من الرهبة و شئ من الخوف و نذر يسير من الفرح… مدير الهيئة في ذلك الوقت كانت له هيبة و وقار. و من غير المعتاد أن يطلب مقابلة صغار الموظفين… كان من الطبيعي أن أكون مضطربا و انا ادخل مكتب مدير عام الموانىء للمرة الأولى… مجرد ان رآني بادرني بالسؤال (هو دا انت الكتبت الكلام ألفي سنجنيب دا). ثم بدأ يتحدث عن أهمية دور الإعلام في مشروعات التطوير الجارية في المواني… ما سمعته من الرجل في ذلك اللقاء كان بمثابة الوقود (النووي) الذي ما زلت أسير به حتى الآن.
* لم تمضي شهور طويلة حتى طلب الرجل أن ارافقه في رحلة إلى سواكن… في هذه الرحله أزال الرجل كل الحواجز و أزاح كل الفوارق بيني و بينه… بعدها صرت اتعامل معه بطريقة عادية، و صار يهتم بما اكتبه و اقوله و أفعله. و هذا ما عبر عنه و على رؤوس الأشهاد، يوم ان دعوته للتعقيب على ندوة اقمتها بنادي الميناء بعنوان (دور العلاقات العامة في التنمية) . حضر ومعه جميع مدراء الإدارات و قال في مستهل تعقيبه (محمداحمد رجل يهتمُ بأمره و من يهتمَ بأمره لابد أن يُهتم به و إذا ما اهتم كل منا بأمره لاستقام أمر هذه البلاد).
* على عبدالرحيم ولد بالخرطوم بحري في يوليو عام ١٩٣٨، و لم يخرج منها إلا في العام ١٩٦٣ عندما سافر إلى عطبرة بعد تعيينه موظفاً بالسكة حديد… تعليمه بعد الأولية كله كان على النظام المصري. حيث درس الإعدادي و الثانوي بالكلية القبطية بالخرطوم. و كان ضمن العشر الأوائل في امتحان الشهادة المصرية و تم قبوله بجامعة القاهرة الأم، ولكنه فضل عليها فرع الخرطوم، حتى يتمكن من العمل ليساعد أسرته. فعمل بمصلحة المخازن و المهمات نهاراً، و واصل دراسته بكلية التجارة مساءاً حتى تخرج في العام ١٩٦٢.
* فضّل على عبدالرحيم الوضع المادي الممتاز للعمل في القطاع الخاص، على الوضع الاجتماعي الممتاز للعمل في القطاع الحكومي… فعمل فور تخرجه بشركة باتا للاخذية، ثم تركها و التحق بالبنك العربي. و تحت ضغط من الأسرة والاصدقاء ترك البنك ليلتحق بوظيفة م. مفتش بالسكة حديد بإدارة شؤون المستخدمين. و في العام ١٩٦٤ حضر دورة تدريبية بمعهد الإدارة العامة بالخرطوم. و في العام ١٩٦٥ ابتعث إلى كلية لندن للعلوم الاقتصادية و السياسية للحصول على دبلوم في إدارة شؤون المستخدمين. و حصل أيضاً على عضوية خريجي معهد شؤون الموظفين البريطاني. و زمالة المعهد الملكي البريطاني للإدارة. وبعد نهاية البعثة في العام ١٩٦٧ جاء إلى بورسودان للمرة الأولى ليشغل وظيفة مساعد مدير الميناء لشؤون المستخدمين.
* قصة عودة على عبدالرحيم من لندن و حضوره إلى بورسودان تجسد أروع صور الانضباط و الأداء الإداري في ذلك الزمان، قال (قبل نهاية البعثة باسابيع تم اخطاري بالترقية إلى الدرجة (Ds) ، ونقلي إلى بورسودان، وبعد حضوري سأكون في اجازة سنوية تنتهي في تاريخ كذا، و ساغادر إلى ببورسودان بالقطار رقم كذا، على العربة رقم كذا، الذي سيتحرك من الخرطوم يوم كذا، الساعة كذا. كما خصصت لي عربة لنقل العفش بالرقم كذا، وستكون موجود على الخط رقم كذا، و ساصل بورسودان يوم كذا الساعة كذا، و قد حصص المنزل رقم كذا بالاسكله). كل هذا البرنامج تم بحذافيره ولم يتغير فيه شيء… (طبعا على كان حافظ كل تلك التواريخ و الأرقام.)
* في العام ١٩٦٩ عاد على إلى عطبرة من بورسودان وظل بها متنقلا بين أقسام إدارة شؤون المستخدمين حتى صار مديراً للتدريب. و في العام ١٩٧٨ تم تعيينه مديراً عاماً لمصلحة النقل الميكانيكي، كأول مدير لهذه المصلحة من خارج قطاع المهندسين. الأمر الذي قوبل بمعارضة شديدة، و لكنه تجاوزها وترك بصماته، اوضحها انشاء وحدة رقابة العربات الحكومية. كما كرمه الرئيس الأسبق جعفر نميري لدوره في توفير العربات والإشراف على تحركات الوفود التي شاركت في مؤتمر القمة الأفريقية الذي عقد بالخرطوم في تلك الفترة. و في العام ١٩٨٠ انتدب للعمل بالخطوط البحرية السودانية، مسؤولاً عن تطبيق الهيكل التنظيمي الجديد وشروط الخدمة الجديدة بالشركة.
* وفي العام ١٩٨١ تم تعيينه مديراً تنفيذياً لهيئة الموانىء البحرية، ثم تغير مسمى الوظيفة لاحقا ليصبح على عبدالرحيم اول مدير عام لهيئة المواني البحرية… وقبل أن يباشر اي عمل رسمي أو يوقع على أي ورقه، اعتكف و لأكثر من شهرين على قراءة كل الملفات المتعلقه بجوانب العمل بالهيئة. وكل إصدارات مركز الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الخاصة بإدارة و تشغيل المواني و معايير تقييم الأداء بها و آخر التطورات في مجال الملاحة العالمية. بعدها وبحكم عمله السابق بالميناء و عضويته في لجنة فصل الميناء من السكة حديد، وعمله بالخطوط البحرية. أصبحت لديه صورة واضحة لكيفية تطوير هذا المرفق. و ان حجر الزاوية في هذا الأمر هو البنك الدولي. لهذا فإن أول ما شرع فيه هو تهيئة مكان لائق لإقامة الخبراء الأجانب. وكانت استراحة المواني و منها انطلقت مسيرة التطوير و التحديث بالهيئة.
* من المصادفات و بعد حوالي اربعين عاما، و في ذات القاعة التي شهدت اجتماع على عبدالرحيم بالقيادات التنفيذية. حضرت في مارس الماضي دورة تدريبية، في ختامها طُلب مني التحدث نيابة عن الدارسين بحكم اني اكبرهم سنا…. الدورة كانت جيدة من كل النواحي… شكرت في بداية حديثي إدارة المركز على حسن الاعداد و مقدم الدورة المدرب المقتدر محمد صادق عبدالمعزوف على حسن الأداء وأشارت إلى أهمية التدريب و عراقة هذا المركز، و أردت أن أقول إن أول مدير عام لهذه الهيئة هو أحد رواد التدريب بالسودان، وقبل أن استرسل سألت المشاركين في الدورة و عددهم (20) دارساً من مختلف الإدارات، من هو أول مدير عام لهيئة الموانىء البحرية؟. لم يجب احد… طرحت السؤال بطريقة آخرى من منكم سمع بشخص إسمه على عبدالرحيم؟ أيضاً لم يسمع به أحد…. لم اتمالك نفسي وقلت بصوت عالي (والله دي كارثة) وقلت بانفعال المركز الذي نتدرب فيه الآن انشاءه على عبدالرحيم و الحاسوب الذي تدربنا عليه ادخله على عبدالرحيم، و واصلت معددا جغرافياً المرافق التي أنشأت في عهده. وبدأت من دار النقابات و منزل مدير الهيئة ونادي المواني و المبنى الجديد للإدارة البحرية و المحطة الساحلية و استراحة المواني و الشقق السكنية بالسكة جديد وصيدلية المواني و مطبعة المواني و رئاسة الهيئة التي عند افتتاحها كان أكبر وأحدث مبنى معماري بشرق السودان و المنازل الجديدة بديم التجاني و مستشفى المواني بالاسكله و المجمع السكني بالثورة و مكتب المواني بالخرطوم و المجمع السكني بشمبات… كل هذه المرافق تمت في عهد علي عبدالرحيم خارج حظيرة الميناء، و بالتالي تعتبر مرافق غير اساسية… أما النقلة الأساسية والطفرة الكبرى التي أحدثها على عبدالرحيم فقد كانت داخل حظيرة الميناء، التي ارتفعت طاقتها الاستيعابية من ٣ مليون طن إلى ٨ مليون طن في العام… الحظيرة التي كانت ارصفتها وساحاتها ترابية صارت مسفلتة في عهد علي عبدالرحيم و عرفت آليات المناولة الحديثة و الورش المتطورة لصيانتها… على عبدالرحيم هو من هيأ الميناء لاستقبال سفن الحاويات. بل أكثر من ذلك شرع في إنشاء مواني جديدة. فكان مشروع أحياء ميناء سواكن القديم الذي نفذ بتمويل ذاتي من موارد الهيئة. و مشروع ميناء سواكن الجديدة و مشروع مياه دولبياي وقد اكتملت الدراسات الخاصة بهما، و لم يسعفه الوقت لتنفيذهما. وهذا ما ساتناوله لاحقا…هذا مع ثورة كبرى في القوانين واللوائح و هياكل و نظم و أساليب العمل… في عهد علي عبدالرحيم أنشأت إدارة الهندسة المدنية و إدارة الهندسة الميكانيكية و الكهربائية، و بعد أن كانوا إدارة واحدة تعرف باسم الإدارة الهندسية. و أنشأت إدارة المخازن و المشتريات بعد أن كانت تابعة للإدارة المالية ونشأت ادارة التخطيط والبحوث و الإحصاء وإدارة الأمن الصناعي و إدارة شرطة المواني، و الجمعية التعاونية أصبحت مؤسسة تعاونية، و كل مشروعات الخدمات الاجتماعية من مستشفى وصيدلية و مدارس ورياض و مزرعة و فرن قامت في عهد علي عبدالرحيم. الذي شهد أيضا بداية تقديم الدعم المالي السنوي لمجلس بلدية بورسودان… كل اللافتات الكبرى المشرقة المضيئة التي تزين أرجاء هيئة المواني البحرية تشير إلى ما تم في ذلك العهد الميمون….. الرجل كان الدينمو المحرك و العمود الفقري للنهضة التي شهدتها المواني في الثمانينات مع رفاقه العظام خالد الصادق اونسه وحسن احمد حسن وفيصل لطفي و بقية العقد النضير.
* سنوات على عبدالرحيم بالمواني التي امتدت من العام ١٩٨١ إلى العام ١٩٨٨ وشهدت كل هذه الأعمال الكبيرة و المشروعات الضخمة، لم تشهد أي احتفال بافتتاح أي منها…. احتفال واحد كبير أقيم بمناسبة اكتمال العمل في المرحلة الأولى و الثانية من مشروع تطوير ميناء بورسودان و وضع حجر الأساس لمشروع أحياء ميناء سواكن القديمة. حيث حضر المشير سوار الدهب رأس الدولة في ذلك الوقت و برفقة وفد كبير. استقبل بالمطار وطاف بالميناء وسافر إلى سواكن و وضع حجر الأساس. و في المساء أقيم حفل بنادي الميناء القى فيه سوار الدهب كلمة ضافية دعا فيها كل المؤسسات بالسودان أن تحذو حذو هيئة المواني البحرية و عاد إلى الخرطوم مساء نفس اليوم…. لم تكن هناك أي حشود لا هتافات و لا لافتات ولا يحزنون… غير هذا لا أذكر إلا الاحتفال بافتتاح محطة الاتصالات الساحلية الذي جاء إليه ممثل لوزير النقل وتم في صيوان بالإدارة البحرية و لم يستغرق سوى ساعات قليلة.
* خلال عهد علي عبدالرحيم كان لهيئة الموانىء تعاون فني كبير مع شركات و بيوت خبرة أوربية مرموقة… من يصدق ان حاكم ولاية سكسونيا السفلي و نائب رئيس الحزب الحاكم في ألمانيا جاء إلى السودان في زيارة خاصة لهيئة المواني. وقام بغرس شجرة للصداقة معها عند مدخل مستشفى المواني بالاسكلة ( كنت اهتم بها عندما سكنت بالاسكلة)، و زار سواكن و نظم له أهلها و ليس إدارة الهيئة استقبال شعبي شارك فيه البعض على ظهور الجمال… الضيف الألماني كان اصلع الرأس و اثناء مروره بين المستقبلين مد احد الجمال رقبته ليلمس رأس الضيف… في هذه اللحظة قام المصور الألماني المرافق بالتقاط الصورة التي بدت و كأن الجمل يقبل رأس الضيف ترحيباً به. هذه الصورة وجدت انتشاراً واسعاً في الصحافة الألمانية… ولا أنسى حفل الاستقبال الذي أقيم للضيف الألماني بنادي الميناء وفيه تم استعراض للدعم الفني الكبير الذي قدمته ألمانيا للهيئة. و هو ما دفعني لسؤال المهندس حسن أحمد حسن (انت الألمان ديل بعملوا الحاجات دي كلها للهيئة عشان شنو؟) فكان رده هذا سؤال يجيب عليه الصادق المهدي. وكان وقتها رئيساً للوزراء… زيارة بكل هذه الأهمية لم يصاحبها اي زخم فارغ… فقط حضر من كسلا حاكم الإقليم الشرقي حامد عثمان كرار ليكون في استقبال و مرافقة الضيف. لدرجة ان زوجة الضيف الألماني لاحظت عدم ظهور أي امرأة طوال فترة الزيارة فسالت (انتو ما عندكم نسوان ؟) هذا ما قاله لي المهندس حسن وأضاف (يا ريت كان سقنا معانا محاسن و رابحه كان رفعو عننا الحرج). مع كل هذا الانفتاح على العالم الخارجي إلا أن سفريات على عبدالرحيم الخارجية كانت قليلة و حتى سفرياته إلى الخرطوم لم تكن كثيرة. كان دائم التواجد ببورسودان، نهاراً بمكتبه و مساءاً بالنادي. كانت له سفرية سنوية ثابتة إلى ألمانيا للتجديد السنوي لاتفاقية التعاون الفني مع الألمان… و هنا اذكر ما قاله لي صديقي رجل الأعمال حسن البدوي صاحب المرسال للخدمات البريدية (عندما كنا في المرحلة الثانوية حضرنا لمكتب مدير المواني نطلب دعماً مالياً لرحلتنا المدرسية ، فخرج من مكتبة مجموعة من الخواجات الظاهر عليهم كانوا مستغربين كدا. و عندما قابلنا المدير على عبدالرحيم قلت له الخواجات الطلعوا منك ديل مالم كانوا مستغربين كدا؟ فقال ديل المفروض انا اسافر إليهم خليتم هم يجوني هنا)… ما قاله صديقي حسن عن الخواجات عايشته بنفسي مع المصريين عندما جاء وفد نقابة عمال النقل البحري المصري والتقوا بعلي عبدالرحيم و عندما خرجوا منه قال أحدهم (ايه دا يا عمي ايه دا .. دا مش مدير دا.. دا عالِم.. دا حاجه تانيه خالص).
* وكما كان سفره قليل كان ظهوره في الإعلام أقل من القليل… طوال فترة عمله بالمواني أجريت معه مقابلتين فقط. إحداها أجراها الصحفي أمام محمد أمام نشرت بصحيفة الصحافة. والأخرى أجراها معه الصحفي أحمد البلال الطيب و نشرت بصحيفة الايام. غير ذلك لا أعرف له أي ظهور بالصحف… مع انه مهتم بالصحافة و أثناء دراسته الجامعية كان يصدر مع زميله عزالدين يوسف صحفية حائطية اسمها (الاماتونح). و في سنواته الأخيرة نشر العديد من المقالات في عدد من الصحف. و كان كاتباً شبه راتب بصحيفة إيلاف الاقتصادية الأسبوعية التي يترأس تحريرها الدكتور خالد التجاني… السفر إلى الخارج و الحديث لوسائل الإعلام في عهد علي عبدالرحيم كان يقوم به المهندس حسن أحمد حسن مدير المشروعات الجديدة.
* على عبدالرحيم كان شديد الاهتمام بتدريب و تأهيل الكوادر… صلته بهذا الجانب بدأت عام ١٩٦٤ عندما شارك في أول دورة تدريبية له بمعهد الإدارة العامة بالخرطوم، وقبل ختامها اخطرته إدارة المعهد انه من يلقى كلمة نيابة عن زملائه في حفل ختام الدورة الذي سيحضره مبارك زروق وزير المالية… و لانه رجل دقيق و مرتب عمل على التحضير للكلمة بالذهاب الى مكتبة المعهد والاطلاع على الكتب و المراجع التي تناولت تاريخ وفلسفة التدريب و منها أدرك أهمية التدريب ودوره في الارتقاء بأداء العاملين، وقرر أن يكون هذا هو مجاله في الإدارة… سعي في هذا الاتجاه حتى صبح للتدريب إدارة قائمة بذاتها بهيئة السكة حديد و كان على عبدالرحيم اول مدير لها. و معلوم أن السكة حديد في ذلك الوقت كانت أكبر المؤسسات بالبلاد، و من بعدها بدأت بقية الوحدات الحكومية تؤسس إدارات خاصة بالتدريب… على عبدالرحيم استطاع أن يغير الفهم التقليدي الذي ينظر للتدريب كعملية مرتبطة بصغار الموظفين و من هم في مداخل الخدمة. و أقنع كبار الموظفين بالمشاركة في الدورات التدريبية. و هو يعتبر أول من رسخ لقاعدة التدريب للجميع. و هو من أوائل الذين فتحوا المجال لتعامل القطاع الحكومي مع مؤسسات التدريب الخاصة… لهذا عندما جاء مديراً لهيئة المواني كان التدريب في رأس قائمة أولوياته. أنشأ له إدارة وبني له مركز حديث. و في عهده فازت الهيئة بالمركز الأول في عام التدريب منتصف الثمانينات. و جاءت إلى بورسودان الوزيرة المسؤولة عن التدريب لتهنئة الهيئة بهذا الفوز… (وزيرة اسمها رشيدة على ما اذكر)… التدريب في عهد علي عبدالرحيم كان تدريبا حقيقياً. عدد من الخبراء الألمان أمضوا سنوات بمركز تدريب المواني يدربون الناس… على عبدالرحيم الذي أفاد الناس من خلال اهتمامه بالتدريب هو أيضاً استفاد من هذا الأمر، واصبح رجلاً موسوعي المعرفة… عندما يتحدث مع المهندسين تظن أنه مهندس، و عندما يتحدث مع المحاسبين تعتقد أنه محاسب و هكذا في أكثر المجالات… ذلك لأن مسؤول التدريب معنى بتدريب الناس في كل المجالات وهذا يتيح له قدر من المعرفة والالمام في كل تلك المجالات.
* في جلسة معه بعد اكتمال العمل في المرحلة الثانية من مشروع تطوير الميناء قال (طبعاً في مرحلة ثانية برضو بدينا فيها بس الناس ما شايفنها. الآن اغلب مدراء الإدارات اي واحد منهم ممكن يكون مدير عام الهيئة دي. وبدينا الآن في إعداد الصف الثاني، ناس محمد طاهر ايلا). و بالفعل لم تمضي بضع سنيين حتى جاء ايلا مديراً للمواني… ومع القدرات الشخصية و الإدارية العالية لايلا إلا أن فترته بالمواني كانت أسوأ الفترات… فترة منزوعة البركة… سنواته بالهيئة كانت سنوات عجاف كما وصفها بعض قادة النقابات… وقد أشرت لهذا الوصف في إحدى مقالاتي الصحفية… تلك الإشارة نسفت تماماً العلاقة القديمة والقوية التي كانت تربطني بالاخ ايلا… المواني التي أصبحت مطلوبة و مرغوبة الآن. في عهد ايلا كانت طاردة و مُنفرة. طلبات الاستقالة منها (بالكوم) أمام ايلا و من مختلف الدرجات الوظيفية… انا شخصياً استقلت منها في زمن ايلا.
* قبل عدة سنوات قابلت بالخرطوم اللواء شرطة معاش فضل احمد محمد اول مدير لشرطة المواني عندما كان في رتبة المقدم قال لي (عملت بالعديد من الإدارات والولايات، لم أعمل قط مع مجموعة بكفاءة المجموعة التي قابلتني بهيئة الموانئ.. كانوا على درجة عالية من الكفاءة و الانسجام)… فترة على عبدالرحيم اختارت واهلت كوادر علي مستوي رفيع من الخبرة، يعمل لهم الخبراء الأجانب الف حساب ويقفون أمامهم بكل أدب و احترام…. كل تلك الخبرات لم تعد موجودة الآن… فائض كبير جداً في العمالة و تراجع مخيف جداً في الكفاءة… من يصدق إنه لا يوجد الآن موظف واحد بالهيئة يمكن القول إنه خبير مواني معتبر و يعتمد عليه و يمكن أن يجلس بندية مع خبراء المواني الأجانب… ولا واحد… وهذه بالذات أؤكد عليها و اكررها ولا واحد… فيصل لطفى المهندس المقيم لمشروعات المواني، متعه الله بالصحة والعافية كان ينهر الخبراء الأجانب و لا يتردد أن يقول لأحدهم (يا غبي)… المهندس حسن أحمد حسن مدير مشروعات المواني رحمه الله، حدثت مشادة بينه وبين مندوبة البنك الدولى (مدام آدي) رفع شكوى ضدها وقال إنها غير متعاونة… بالله عليكم انظروا (كنا وين و بقينا وين؟)… الآن مجرد التفاهم العادي مع الخبراء الأجانب مشكلة، ناهيك أن ننهرهم أو نشكوهم.
* قرر على عبدالرحيم أن يكون مديراً منذ أن كان موظفاً صغيراً بمصلحة المخازن و المهمات، و كان مسؤولا عن توفير احتياجات معهد الإدارة العامة بالخرطوم وقتها كان أكبر مؤسسة أكاديمية للإدارة بالسودان. وخلق علاقة مع مدير المعهد بريطاني الجنسية. وعندما التحق بالسكة جديد كان حريصاً و من الايام الأولى أن يعرف مؤهلات المدراء الذي تعاقبوا على إدارة السكه حديد… صُدم عندما وجدهم جميعاً مهندسين، و بالتالي لا فرصة أمامه ليكون مديراً للسكة حديد. وان أقصى ما يمكن أن يصله هو مدير إدارة شؤون المستخدمين. و لكنه اطمأن عندما عرف لاحقاً أن الهندسة ليست شرطاً لازما لشغل منصب مدير السكة حديد… و شاءت الأقدار أن يترك على عبدالرحيم السكة حديد ليصبح مديراً لمصلحة النقل الميكانيكي وكان كل المدراء من قبله مهندسون . وان يعود للسكة حديد مرة أخرى ليس مديراً عاما، إنما رئيسا لمجلس الإدارة خلال الفترة من ١٩٩٧ إلى ٢٠٠١.
* انتهج على عبدالرحيم بهيئة الموانئ نهج الإدارة الجماعية و المشاركة في اتخاذ القرار مع تحمل المسؤولية لوحده. لهذا ابتدع اجتماعا عمليا أسبوعياً يبدأ عند الساعة السادسة صباح كل أحد، بالمرور على المرابط والاجتماع بمكتب مدير الشواطئ للاطمئنان على سير عمليات الشحن و التفريغ. و من ثم ينتقلوا عند الثامنة لاجتماع بمكتب المدير العام يحضرة جميع مدراء الإدارات و رؤساء الأقسام و ممثلي النقابات للإطمئنان على الأداء العام بالهيئة.
* على عبدالرحيم كان صارما في تنفيذ القوانين و اللوائح، شديد الاحترام للقرارات التي يتخذها… حدثني صديقي القيادي النقابي المخضرم وداعه محمد علي عليه رحمة الله. بقصة الموظف الذي قام بالتزوير في مستندات الحصول على سلفية بناء منزل. و عندما اكتشف الأمر و رفع للمدير، لاحظ على عبدالرحيم أن الشهود الموقعين على المستندات المزورة هم أيضاً من العاملين بالهيئة. لهذا قرر تشكيل مجلس محاسبة للمتهم الأساسي و الشهود أيضاً. إلا أن مجلس المحاسبة أدان المتهم الأساسي وبراء الشهود. ومع هذا قام على عبدالرحيم بتوقيع عقوبات إدارية قاسية على الشهود، الذين احتجوا على هذا الأمر لدى النقابة، باعتبار أن المدير ليس له الحق في معاقبتهم بعد أن براءهم المجلس. و كان بوسعه أن يلغي المجلس و يكون مجلس جديد… قابلت النقابة المدير و طرحت عليه الأمر و طلبت منه إلغاء العقوبات التي فرضها على الشهود، و قد وعدهم و مضت شهور و لم يفعل شيء. و قد اتصلت به النقابة مرة أخرى وأيضاً وعدهم بإلغاء القرار و مضت شهور أخرى ولم يفعل. عندها رأت النقابة في هذا مماطلة وعدم احترام لها. فقابلت المدير للمرة الثالثة و تحدثت معه بلغة حادة… عندها قال لهم ( انا مدير بحترم قراراتي حتى لو كانت غلط ما بلغيها أو اعدلها قبل ما تنفذ. تعديل القرار أو الغاه قبل ما يتنفذه بفقد المدير احترام الجهات المنفذه… بعدين انتو ما مدركين لخطورة هذا الأمر… التساهل في الشي الحصل دا بكون بداية لشبكات التزوير المنظم بالهيئة.انا من البداية عارف انو القرار دا غلط من الناحية الإجرائية بس كان لازم يتخذ. و حتى لو ما اتكلمتَو معاي كنت بلغيوه بعد سته شهور و الآن تمت ). قال لي وداعه (دخلنا منفوخين وطلعنا خجلانين صغار زي السمسم)… له مواقف مشهودة في التصدي لأي خرق للقانون… عندما كان رئيساً لقسم المعاشات بالسكه حديد أعلن وزير النقل احمد الأمين حميده، و استجابة لمطلب نقابي و في احتفال عمالي كبير بعطبرة عن رفع سن المعاش إلى ٦٥. على عبدالرحيم رأي أن هذا القرار غير قانوني وتصدى له حتى تم إلغاؤه… أفرد لهذه الواقعة باباً كاملاً في مذكراته بعنوان إلغاء قرار الوزير.
* على عبدالرحيم كان يؤمن بدور النقابات و كان يشركها في الإدارة. وهو من منحهم الدار الموجودة الآن في قلب مدينة بورسودان و منحهم اول سيارة للنقابة كان يقودها المرحوم وداعه محمد علي سكرتير نقابة الموظفين. وعلى المستوى الشخصي كانت له علاقات قوية بقادة النقابات.
* على عبدالرحيم كان ينظر للقضايا العامه و لا يهتم بالمسائل الفردية و الشخصية… أصحاب المصالح الخاصة كانوا ينتظرون سفره النادر إلى الخرطوم أو الخارج لتقديم طلباتهم لنائبه الكابتن محمد الكامل عبدالرحمن الذي كان رجلاً عاطفياً لأبعد الحدود لدرجة انه يعالج بعض الطلبات المادية للعاملين من حسابه الخاص.
* فترة على عبدالرحيم بالمواني لم تكن فترة ازدهار اقتصادي واجتماعي فقط بل ابضا كانت فترة ازدهار ثقافي و اعلامي. أبرز ملامحه تمثلت في تكوين فرقة المواني المسرحية التي كانت لها شهرة على مستوى السودان وقدمت العديد من الأعمال المسرحية الناجحة على خشبة المسرح القومي بأم درمان و مسرح تاجوج بكسلا و مسرح الجيش بالقضارف . و فتحت المجال لعدد من المواهب التي صارت نجوما في دنيا المسرح. نتيجة للدعم و الرعاية التي كانت تجدها من الإدارة… الاهتمام بالتدريب لم يستثني حتى الفرقة المسرحية فقد جاء المخرج الكبير جلال البلال و الممثلة القديرة تحية زروق لتدريب الفرقة. وأثناء تواجد جلال مع الفرقة تعرف على الشاعر محمد الحسن حسن سالم (حميد)، الذى كان موظفاً بإدارة المشتريات… وقتها كان في بداياته الشعرية و لا يحسن إلقاء قصائده… جلال هو من درب حميد على الإلقاء الشعري الحاذب و المؤثر الذي عرف به حميد فيما بعد و صار من المع نجوم الشعر السوداني… جلال البلال قال لي لو تعاملت المؤسسات السودانية مع الدراما كما فعلت هيئة المواني، لكان للسودان شأن آخر في هذا المجال.
* اما الازدهار الإعلامي فقد شهدت فترة على عبدالرحيم تحويل نشرة سنجنيب لتطبع بمطبعة المواني كمجلة و صحيفة. إلى جانب صدور ثلاثة مجلات نقابية ( أكراوا و البرية و المالية)… الاعلام في زمن على عبدالرحيم كان اعلاما هادفا، وملتصقا بقضايا العمل الحقيقية، و منفعلا بقضايا العاملين الحياتية. و مدير الهيئة لم يكن محمور العملية الإعلامية و لا محل تمجيدها… كل تلك الأنشطة الثقافية و الإعلامية لم يكن لعلي عبدالرحيم اي صلة مباشرة بها… ولكنه هو من خلق البيئة الصالحه و أوجد المناخ المعافي للإبداع.
* تضافرت عدة عوامل ساعدت على عبدالرحيم في تحقيق هذا النجاح الباهر بهيئة الموانئ البحرية. في مقدمتها الاستقرار العام بالبلاد سياسياً و اقتصادياً. و وجود رجل في قامة خالد الصادق اونسه رئيسا لمجلس إدارة الهيئة طوال فترة على عبدالرحيم و وجود مهندسين في مستوى حسن أحمد حسن و فيصل لطفي. و فوق كل ذلك شخصية على عبدالرحيم التي توافرت فيها الخبرة و العلم و الوطنية و الاستقامة. و يضاف إلى هذا وجود قيادات نقابية قوية و مخلصة و متعاونة و منسجمة مع الإدارة .
* إذا ما حاولنا المقارنة بين ما كان عليه الحال في زمن على عبدالرحيم و بين ما هو حاصل الآن. نجد ان البون شاسعاً، الفجوة عميقة… كل الأسس و المبادئ التي ارساها قد راحت إدراج الرياح… على الذي اعكتف لأكثر من شهرين يدرس الوضع بالهيئة. جاء من بعده من سافر في مهمة خارجية قبل أن يكمل شهره الأول في المنصب… اوناس همهم الأهم و شغلهم الشاغل السفر إلى الخارج من أجل النثريات بالعملة الصعبه. و كذلك التدريب أصبح من أجل النثريات لا غير. عاد من سافر إلى دورة تدريبية خارجية و هو لا يعرف حتى عنوان الدورة التي شارك فيها… سنوات على التي لم تشهد سوى احتفال واحد كبير جاءت سنوات بعدها كلما فرغت الإدارة من احتفال شرعت في الترتيب للاحتفال التالي… وصل الأمر أن احتفل بتدشين لينش و جات وفود وزارية و إعلامية من الخرطوم لحضور هذا الاحتفال (التافه)… بل أكثر من ذلك كانت إدارة الموانئ تدفع بسخاء وتمول أي جهة أرادت تنظيم إحتفال لتكريم مدير الهيئة… بل نظم مهرجان بحاله من مال الهيئة بمناسبه حصول أحد المدراء علي شهادة دكتوراه…على عبدالرحيم الذي لم تنشر له الصحف الا صور أقل من أصابع اليد الواحدة. جاء من بعده من علق صوره على أعمدة الإنارة في الطرق… وما هذآ إلا نذر يسير من الفساد و البؤس الذي و صلت إليه الهيئة.
* في العام السادس من سنوات على عبدالرحيم بالمواني كانت نجاحاته ظاهرة للعيان، و معها بدأ أعداء النجاح يظهرون… مجموعة قليلة من الشيوعيين و من شياعهم كان ضجيجهم مذعجا لحكومة ألفترة الديمقراطية الثالثة وهم يملأون الصحف اليسارية باكاذيب وادعاءات بوجود فساد داري و مالي بهيئة الموانئ. مما أدى إلى إيقاف المدير عن العمل و تشكيل لجنة تحقيق حول تلك المزاعم برئاسة كادر شيوعي معروف كان مستشاراً قانونياً للهيئة… باشرت اللجنة أعمالها و انقطع المدير عن الحضور للمكتب، ولم تنقطع صحف اليسار عن تناول القضية موضوع التحقيق. هذا ما جعل على عبدالرحيم يدعونا للحضور إليه في منزله انا ومحمد اوشيك هشل و عبدالوهاب مالك باعتبارنا أبرز الاعلاميين بالهيئة. وشرح لنا كافة تفاصيل و خلفيات الادعاءات الموجهة ضده. و التي كانت حول ما أسموه بالصرف البزخي في الاحتفال بانتهاء مراحل مشروع التطوير. و ادعاء آخر باصطحابه لابنه للعلاج في الخارج في مأمورية خارجية له. و قدم المستندات والتواريخ الداعمة لحديثه… عن الصرف البزخي قال : كل ما في الامر اننا استاجرنا طائرة لنقل المدعوين لحضور الاحتفال من الخرطوم إلى بورسودان والعودة في نفس اليوم. هذا اقل بكثير من تكلفة الحضور بالسفرية العادية و الإقامة في الفنادق ليلتين… أما اصطحاب ابني معي هذا حدث بالفعل و لكن ليس على حساب الهيئة. إنما بتذكرة على نفقتي و أمضى معي ايام المامورية في غرفتي، بعدها انتقلنا إلى مكان آخر على حسابي و بدأنا العلاج. وحتى تكلفة التذكرة و العلاج أخذتها سلفية بوصل امانه من المهندس حسن. يمكنكم أن تسألوه… تخيلوا مدير عام المواني يستلف لعلاج ابنه في الخارج. وقارنوا بما كان يجري في ملف العلاج بالخارج في الفترة الماضية… وطلب منا توضيح هذه الحقائق فقط للعاملين بالهيئة من خلال نشرة سنجنيب . و عدم نشر أي شيء حول هذا الأمر بالصحف العامة. و قال متسائلاً (تهاجمني صحف اليسار باعتباري إسلامي فلماذا لا تدافع عني صحف الإسلاميين). و قد التزامنا بتنفيذ ما قاله.
* يبدو ان لجنة التحقيق لم تصل إلى شيء. فبدأت في التسويف و المماطلة. و مضت شهور ولم ترفع تقريرها. كما يبدو أن أعضاء اللجنة قد استمرأوا الاستمتاع بالامكانيات التي كانت توفرها لهم الهيئة من سفريات و إقامة كاملة في الفنادق و الاستراحة. وبدأت انعكاسات إيقاف المدير عن العمل تظهر في الأداء العام للهيئة. وكان لابد من التحرك إعلامياً و نقابيا.
* توليت الجانب الإعلامي لوحدي و نشرت عدة مقالات ناديت فيها بضرورة أن ترفع لجنة التحقيق تقريرها. و ان يقدم المدير للعدالة أن كان مذنبا أو يعود إلى عمله أن كان برئيا. و أجريت مقابلة مع المدير المالي للهيئة تحدث فيها عن ثقته التامة في الإجراءات المالية بالهيئة وان اي صرف لا يمكن أن يتم إلا وفق تلك الإجراءات الصارمة… ما قاله المدير المالي أربك تلك المجموعة وشعرت بقوة الطرح الإعلامي. فعلق صحفي شيوعي مشهور على كتاباتي بأنها تدخل سافر في عمل اللجنة يستوجب المسألة القانونية و وصفني بطفل الأنابيب في محاولة لاسكاتي … كما قامت النقابات بالاتصال ببعض المسؤولين، و في مقدمتهم النائب العام الذي استوعب الأمر وقال لهم ( انتو عندكم فساد… الفساد عندنا هنا… بالله الفاسد منو مدير الميناء و لا رئيس اللجنه؟ وذكر المثل المعروف………………….وشيلا موسا تطهر).
* إزاء ذلك الضغط الإعلامي و النقابي لم يكن أمام اللجنة إلا أن ترفع تقريرها لوزير النقل و هو خالي تماماً من أي تهمة. ولم يكن أمام وزير النقل حينها اللواء فضل الله برمه ناصر (الحي دا) إلا أن يرفع الإيقاف فوراً عن المدير. و يكتب له خطاب اشادة تقدير لدورة في تطوير الميناء. و يعلن عن تنظيم احتفال كبير تكريما له و تقديراً للجهود المقدرة التي قام بها…. هذا الخطاب الوثيقة التاريخية موجود في برواز أنيق بمكتب على عبدالرحيم.
* و مع هذه البراءة الناصعة رأت القيادة السياسية أن تلك المجموعة يمكن أن تفتعل معركة أخرى مع المدير. و ان الوضع بالميناء لا يحتمل مثل هذه الصراعات فقررت نقل على عبدالرحيم إلى رئاسة الوزارة و تعيين محمد صالح على مدير العمليات البرية مديراً عاماً للهيئة… مع صدور القرار هاجت النقابات و أعلنت عن مؤتمر للدخول في اضراب ضد نقل المدير…. التقى بهم على عبدالرحيم و هدأهم و قال لهم ( هذا أفضل قرار يمكن اتخاذه و الميناء لا تحتمل هذه الصراعات… أحمدو الله انو جابو ليكم مدير منكم) و وعدهم بحضور حفل التكريم… عمنا محمد علي مداوي النقابي المصادم الجرئ ممثل العمال بمجلس الإدارة قال (تكريم شنو… على عبدالرحيم دا يستاهل يعملو ليهو تمثال في مربط واحد).
‘* و قبل أن يأتي موعد التكريم الوزاري، كان التكريم الرباني… حدث انقلاب الإنقاذ و أعلن عن تشكيل حكومة كفاءات وطنية و جاء على عبدالرحيم في مكان فضل برمه وزيراً للنقل والمواصلات و السياحة… و من اول القرارات معاقبة تلك المجموعة على الأذى الذي سببوه للهيئة بفصلهم جميعاً منها… استجابة من الله لدعاء والدته الحاجة بخيته محمد علي نصر التي عايشت ذلك الصراع و كانت تدعو ليل نهار أن ينصر الله ابنها على أعدائه… قال لي أنه حزين لأن والدته توفيت قبل أن تشهد يوم نصره على أعدائه.
* ولأن الرجل مهموم بما ينفع الناس و غيور على وطنه أول سفرية له كوزير كانت إلى ألمانيا لتحريك مشروع ميناء سواكن الجديدة و مشروع مياه دولبياي الذي لم يجد المتابعة أثناء فترة الإيقاف و لم يجد المدير الجديد متسع من الوقت للمتابعة. فقال له الإلمان اننا كنا جادين في تنفيذ هذه المشروعات. والتي من شأنها أن ان تحقق استقرارا كبيرا على الساحل السوداني. الا ان المتابعة من قبلكم توقفت في الفترة الماضية. و ظننا انكم قد صرفتم النظر عنها. والآن ليست لدينا مشكلة في التمويل أو التنفيذ لولا الانقلاب العسكري الذي حدث في بلدكم. لأن القانون الألماني لا يسمح بالتعامل مع حكومات الانقلابات العسكرية على النظم الديمقراطية… لهذا اقول ان معاداة الشيوعيين لعلي عبدالرحيم حرمت السودان من ميناء أكبر من ميناء بورسودان و أحدث منه. و حرمت البحر الأحمر من مشروع دولبياي الذي سيوفر المياه للميناء الجديد وكل القرى ما بينه وبين طوكر و يوفر لبورسودان ٧ الف متر مكعب من المياه.
* بعد الفترة التي امضاها وزيراً للنقل أسس على عبدالرحيم مكتب الطبري للدراسات والاستشارات الإدارية. و في العام ١٩٩٣ عاد مرة أخرى للخطوط البحرية السودانية رئيساً لمجلس الإدارة و مديراً عاماً للشركة حتى العام ١٩٩٥. و في العام ١٩٩٦ أسس مع الكابتن عبده محمد عثمان و محمود الياس شركة المرفأ للنقل و كان رئيساً لمجلس إدارتها، و كانت هذه آخر محطات نجاح على عبدالرحيم… تابعت هذه التجربة منذ بدايتها في شقة صغيرة و متواضعة بسطوح إحدى العمارات بشارع السيد عبدالرحمن بالخرطوم و لم تمضي الا سنوات قليلة جداً حتى صار للمرفا مكتب رئيسي فخم بالرياض. و مكتب فرعي ضخم ببورسودان. و أصبحت واحدة من أكبر شركات التوكيلات الملاحية الكبرى بالبلاد.
* لعلي عبدالرحيم الدور الأكبر في تطوير و تحديث المواني بالأسلوب الذي تم في الثمانينات؛. و بما ان التطوير والتحديث يفترض أن يكون عمليةمستمرة و متواصلة. فهو يرى أن اسلوب أواخر القرن الماضي غير مناسب في أوائل القرن الحالي. و لابد من إدخال القطاع الخاص و اشراكه في عمليات تطوير وتحديث المواني البحرية السودانية. و هو يعتبر الداعية الأكبر للخصخصة… و رغم الرفض القاطع لها من قبل العاملين بالمواني. و هو رفض لا يستند على أي مبررات علمية أو عملية، و ينظر للخصخصة فقط من زاوية تأثيرها على وظائفهم، و هي نظرة قاصرة و أنانية. لهذا فإن الحكومة السابقة لم تحفل بذلك الرفض و مضت قدما في إدخال القطاع الخاص في إدارة و تشغيل ميناء بورسودان و طرحت عطاءا عالمياً لهذا الغرض. و اختارت على عبدالرحيم ليكون على رأس لجنة فرز العطاءات المقدمة باعتباره الخبير السوداني الأول في هذا المجال. تقدمت عدة شركات عالمية و كان الاختيار لشركة فلبينية. و ما أن أعلن عن ذلك حتى ارتفعت الاصوات الرافضة. و دار حديث كثير و لغط كثيف حول الأمر….. قابلته وقلت له ان اللغط حول الشركة الفلبينية وصل مرحلة قد لا تحمد عقباها في ظل غياب تام للمعلومات الصحيحة. ولابد أن تخرج للناس وتتحدث حول هذا الأمر. فكان رده انا كلفت برئاسة لجنة فرز العطاء و قمت بالمهمة بالصورة الصحيحة. و لم اكلف بشرح هذا الأمر للرأي العام. و لست معنيا بما يدور حوله في الإعلام. هذه مهمة الوزارة. قلت له انت تعلم أن وزارة النقل وزارة (منتهية) لا حول لها ولا قوة. و مسؤوليتك في هذه القضية ليست رسمية و لكنها مسؤلية أخلاقية. بحكم انك اكثر الناس معرفة بتفاصيل و ملابسات هذه القضية. و لو ترك الأمر هكذا فإني أخشى أن تكون هذه القضية مدخلاً للاغتيالات في العمل العام بالبلاد… اقتنع الرجل اخيرا ، و طلب أن أرتب له مؤتمرا صحفيا بمكتبه… وبعد أن خرجت وانا افكر في كيفية الترتيب للمؤتمر الصحفي طرأت لي فكرة استضافته بمنبر طيبه برس. و مباشرة ذهبت للأستاذ محمد لطيف مدير طيبة برس الذي رحب بالفكرة و تنفيذها بلا مقابل مع تقديم كل الخدمات… وقد كان المنبر الذي تحدث فيه خبير النقل البحري على عبدالرحيم حول موضوع الشركة الفلبينية من أنجح المنابر. و ذكر لي المشرف على المنبر انهم نادرا ما يضطروا لإحضار كراسي إضافية. و هذا ما حدث لأن الحضور كان كبيراً… إعلاميون و مهتمون و سياسيون في مقدمتهم الدكتور إبراهيم الأمين نائب رئيس حزب الامه كان من اول الحضور… تحدث على عبدالرحيم حول الموضوع من كل الجوانب وأجاب على أسئلة الصحفيين. و في النهاية اخرج مسودة رسالة الماجستير التي أعدها محمد طاهر ايلا عن إدارة المواني وقال كل ما قلته هنا ورد في توصيات هذه الرسالة… وقتها كان ايلا رئيسا للوزراء… وفي اليوم التالي كان ما جاء بالمنبر هو الخبر الأول لصحف الخرطوم… طوال فترة عملي باعلام المواني لم يجد أي حديث متعلق بالمواني انتشار صحفي كالذي وجده حديث على عبدالرحيم بهذا المنبر. و شكل أرضية صلبه و مرافعة قوية لصالح الخصخصة. إلا أن هذا كان في الوقت الخطأ… ولم تمضي إلا أيام قليلة حتى اندلعت ثورة ديسمبر المجيدة. وسقطت الإنقاذ. و صارت الأمور إلى ما صارت إليه الآن.
* زميل من عتاة المناهضين للخصخصة اتصل بي معاتبا وقال (قالوا انت العملت المنبر لعلي عبدالرحيم معناه انت مع الخصخصة) و أرقى وازبد. تركته يكمل حديثه و بهدوء قلت له (انا ما عندي مانع أنظم ليكم منبر مماثل الأسبوع الجاي عشان تفندو كلام على عبدالرحيم) فكان رده (زمن الكلام انتهى والله الشركة الفلبينية دي ما تدخل الميناء الا على أجسادنا) و أغلق الخط.
* قبل أكثر من عشر سنوات تحدثت مع على عبدالرحيم عن أهمية كتابة مذكراته الشخصية في إدارة مؤسسات النقل بالسودان، و نشرها في كتاب. باعتبارها تجربة حياتية و قصة نجاح جديرة أن يعرفها الناس الآن، وتتطلع عليها الأجيال القادمة. كررت الحديث معه حول هذا الأمر عدة مرات، و لكني لم أرى منه أي خطوة عملية… لجأت للصحافة و بدأت نشر أخبار قصيرة عن اعتكاف خبير إدارة النقل البحري على عبدالرحيم، لكتابة مذكراته و ينتظر أن يصدرها في كتاب في غضون الأشهر القليلة المقبلة… هذه الأخبار جعلت آخرين يتحدثون معه في الامر… بعدها أخبرني إنه قد بدأ بالفعل في الكتابة إلى أن اتصل بي لمقابلته… عندما حضرت قال لي ( انا بديت في موضوع الكتب، ما حا نطلع كتاب واحد، حا يكونو اتنين. الأول و دا المهم كتاب علمي يمكن يكون مرجع في مجال إدارة النقل بالسودان ويحوي الدراسات و أوراق العمل و المذكرات العملتها و برضو المقالات، و دى جاهزه عشان تتنشر مع بعض في كتاب، و ما عاوزه مجهود كبير. أما الكتاب التاني دي رؤوس المواضيع الحا اكتب فيها، و دي عاوزه مجهود كبير وقعاد طويل. ربنا يسهل).
* رجل متقدم في طرحه و أفكاره و رؤاه… دائماً يكون أكثر مما تتوقع… رجل مهما تحسن الظن به تجده احسن مما ظننت… تحدثت معه عن كتاب واحد، فإذا به يفاجئني بكتاب ثانٍ، و يقول إنه افيد و أنفع للناس… بعد هذا اللقاء صارت متابعتي أو قل ملاحقتي له أشد من السابق، حتى إنه شعر بأني أخشى أن يموت قبل أن يكمل هذا الكتاب. فقال لي ذات مرة (بالمناسبة انا كلمت الاولاد لو حصل أمر الله قبلي ما اكمل الكتاب، تشيلو الأوراق دي كلها تدوها محمد احمد عبد القادر عشان يكملو)… قلت له أن الأمر ليس هكذا… لماذا لا يكون حرصاً مني أن أرى هذا الكتاب في المكتبات قبل أن أموت أنا؟. و ذكرت له أن أصغر من كان يساعدك في تجميع المعلومات لهذه الكتب، قد مات وهو في ريعان الشباب… تاج السر محمد علي الموظف بالخطوط البحرية عليه رحمة الله.
* قبل وفاته بسنوات قليلة، ارسل لي الجزء الأكبر من مسودة كتاب مذكراته. و طلب مني المراجعة و إبداء الملاحظات. و كانت أول ملاحظة قلتها له وقبلها (على طول) ، هي تغيير اسم الكتاب ليصبح (تجربتي في مجال النقل بالسودان)، بدلاً عن (تجارب في ساحات النقل بالسودان). وطلبت منه أن يسمح لي بالاستعانة بالاخ العزيز عبدالرؤوف بابكر المهدي، فهو أطول مني بالاً و أيضاً أطول مني باعاً في التدقيق و المراجعة. أعطاني الأذن و شدد على عدم تسرب اي معلومة من الكتاب لأي جهة… بعدها بفترة أخبرني بأنه سيغادر إلى القاهرة في رحلة علاج روتينية. ومن هناك فجأني برسالة واتساب أخبرني فيها بطباعة الكتاب الأول بعنوان (النقل البحري في السودان… رؤية واقعية و مستقبلية). صدر عن دار مدارات للطباعة والنشر والتوزيع. و ارسل لي مقدمة الكتاب، و كنت اول من توجه إليهم بالشكر… و كان ذلك آخر تواصل بيني و بينه. و بعدها بأيام انتقل الى جوار ربه عليه من الله الرحمة والمغفرة.
* على عبدالرحيم الذي انتقل إلى رحمة مولاه بالقاهرة في ٣٠ مايو ٢٠٢٢. و في صيوان العزاء الذي لم يحضره اي شخص غيري من هيئة الموانىء. و لم يحضره اي شخص من بورسودان غير المهندس أمين كباشي. قال لي (مرتضى) الابن الأصغر لعلي عبدالرحيم (صحبك مات). استوقفتني هذه العبارة كثيراً… لم يسبق أن خطر ببالي قط إني صاحب لعلي عبدالرحيم… تلك العبارة دفعتني للتفكير و توصيف شكل العلاقة بيني و بينه… لم تكن مجرد علاقة قوية بين موظف و مدير… بالعكس علاقتي به صارت أقوى بكثير من ايام العمل معاً بالمواني البحرية و الخطوط البحرية… في إحدى زياراتي له كان معه الكابتن عبده محمد عثمان و ضيف آخر ، عبده عرّف الضيف بي قائلاً و بلكنة حلفاوية (رصينه) (محمد دا عندو علاقة روحية مع على) فرد الضيف (على دا شيخنا كلنا، انا ذاتي حوار ليهو)… قد يكون هذا هو التوصيف الأقرب لشكل العلاقة بيني وبين على عبدالرحيم. مع جرعة إعجاب زائدة… مع إني لست الحوار الذي يرهن كامل إرادته لشيخه… فقد حدث أن خرجت منه مغاضباً، و حدث أن تجاهلت الرد على مكالمة له… و مع هذا يظل على هو الإسم الأعلى في حياتي العملية. و ما أكتبه عنه الآن هو المقال الأطول في تجربتي مع الكتابة.
* لم أكتب عن على عبدالرحيم عند وفاته، و لا في ذكراها الأولى… إنما اخترت أن أكتب عنه في ذكرى ميلاده الخامس و الثمانين. فقد ولد في ١٩ من يوليو عام ١٩٣٨… لأنه رجل حي، و كله حيوية وحياء… بحيويته استطاع أن يحي لنا ميناء بورسودان من موت سريري،و ميناء سواكن من موت حقيقي… أما عن حيائه فهو لم يرد بكلمة واحدة على الذين ناصبوه العداء بالمواني و قالوا فيه ما لم يقوله مالك في الخمر… على رجل عالي ما كان له ابدا ان ينزل من عليائه إلى حضيض تلك المجموعة… هناك قصة طريفة عن حياء على عبدالرحيم اختم بها حديثي عنه (يقال ان هيئة المواني عندما أرادت سفلتة الأرصفة و ساحات التخزين، استعانت بمهندس له خبرة طويلة في تعبيد وسفلتة الطرق، لهذا صار يعرف بمصطفي شوارع… إسمه الحقيقي مصطفى سيداحمد و هو ليس مصطفى سيداحمد الفنان… التقى بعلي عبدالرحيم وبعد أن خرج أراده على في أمر وطلب من السكرتير أن يناديه… قال السكرتير مصطفى منو؟ فرد عليه على (خلاص خليهو) وقام من مكانه وخرج من مكتبه ولحق بالمهندس في الخارج… كل هذا حتى لا يذكر كلمة شوارع… مع ان مصطفى لا يرى فيها أي حرج). هذا هو على أحمد عبدالرحيم. المدير المؤسس لهيئة الموانىء البحرية الحديثة… يعجبني لقب الإمام الأكبر الذي يطلقه المصريون على شيخ الأزهر. كما يعجبني لقب أمير المحسنين السودانيين الذي أطلقته هيئة الأوقاف الإسلامية على المرحوم عبدالمنعم محمد… لا أظن أن هناك من يشك في أن على عبدالرحيم هو المدير الأكبر للموانئ البحرية. و لكن لا استبعد وجود من يشكك في كونه أمير المديرين السودانيين… ولكني أشك في وجود مدير جاء لمؤسسة في الحال الذي وجد فيه على عبدالرحيم هيئة المواني، و تركها كما ترك على عبدالرحيم هيئة المواني… و انقلكم مباشرة لما قاله المشير سوار الدهب بنادي المواني، في الاحتفال باكتمال العمل في مشروع تطوير ميناء بورسودان و وضع حجر الأساس لميناء سواكن(ارجو من كل المؤسسات في السودان أن تحذو حذو هيئة الموانىء البحرية).
* رحم الله على عبدالرحيم يوم ولد ويوم مات و يوم يبعث حيا.