سطور ملونة .. كتيبة تصادم القاتل الصامت

سطور ملونة
كتيبة تصادم القاتل الصامت
الرجل الشرس أغمد سكينا حادة في خصمه وقتله ، وٱخر ضرب جاره بساطور وبتر يده ورجله ، ومجرم وجد صبيا بريئا يلعب فمزق لحم ظهره بسكاكين ، وأخرون ربطوا إمرأة واستمروا يعذبونها عدة سنوات يقطعون لحمها ويكسرون عظامها …
هنا يتفاعل المجتمع السوداني كله بعنف مع الضحية البريء ، ويذرفون دموعا مدرارة حزنا وغضبا ، بل إن وسائل إعلام العالم كله تضج بالخبر الحزين ، وتتباكى على ضياع الإنسانية .
لكن لماذا نتعامل ببرود وبدون إنفعال مع قاتل مرعب يتصيد طفلا يلعب حافيا فطعنته شوكة فيعمل فيه انيابه ويأكل يديه ورجليه .. أو فتاة نضيرة ارسلتها أمها لاستجلاب حطب الوقود فطعنتها شوكة في خدها النضير ، فهاجم الوحش خدها ليأكله وليحول وروده إلى دمامل يسيل منها صديد كريه الرائحة .. أو رجل خرج باكرا إلى زراعته لتطعنه مجرد شوكة فيهاجمه الوحش ليكون معوقا بعد أشهر يمشي على العصا .
الحديث عن داء المايستوما الوبيل .. لم يجد في العالم كله إهتماما يوازي خطره . وتعاملنا معه في السودان بانفعال أبرد من أنفعالنا عندما نسمع بحادث حركة انكسر فيه أصبع السائق .. ولم نهتم به كاهتمامنا بإحدى القونات تتثنى شبه عارية . او مغنية عربية فاشلة شرفت بلادنا بالزيارة ، او هدف أحرزه لاعب كرة قدم في ملعب شرق اليونان .
الخطر عظيم ويستدعي نهضة رجال عظماء كبار يولون هذا الخطر ما يستحق من إهتمام . ويدافعون عن مساكين ضعفاء يقتلهم هذا المرض ، ويموتون ببطء بعد عذاب نفسي وبدني طويل .
اعرف مجموعة من أجمل الناس على ظهر الأرض رجال ونساء تركوا كل شيء في الدنيا ، ووهبوا حياتهم للحرب المقدسة ضد مرض المايستوما .. يتصل ليلهم بنهارهم ، وتختفي من أمامهم فواصل الزمان والمكان ، فهم اليوم في الخرطوم ، وغدا في جنوب النيل الأبيض ، والأسبوع التالى في ريف سنار الشرقي ..
يبحثون عن المصابين ، ويتعاملون معهم بحنو بالغ وبسمة دائمة ، وتطمين يرطب أفئدتهم المرعوبة . لكنهم حين يكونون بعيدين عن مرضاهم يتفجر الحزن والألم في دواخلهم ، ويبكون في صمت داخل غرف العمليات وهم يعملون المباضع يزيلون اللحم والأنسجة المصابة عند الأطفال والنساء ، ويبترون أيدي وأرجل أرباب الأسر إنقاذا لحياتهم ، وهم يعلمون ما سيؤول إليه حالهم بعد أن يصبحوا معوقين ..
وحين وافقت الأمم المتحدة على إدراج مرض المايستوما ضمن الأمراض المهملة لم تتردد المنظمة الدولية في جعل السودان قائدا ومنسقا لجهود البحث العلمي في هذا المرض . وهم يعلمون الكفاءة والمقدرات العلمية لاطباء وباحثي السودان ، وسابق فضلهم وجهدهم في هذا الخصوص ..
ليس سرا أنه لا يوجد علاج ناجع للمرض . لكن المعامل في مركز أبحاث المايستوما تجري أبحاثها ليل نهار وعلى أرفع المستويات للبحث عن العلاج في تجارب لا تنقطع .. لكن من المؤكد أنهم توصلوا إلى طرق واضحة في إمكانية الوصول لعلاج . (والله الناس ديل صبورين صبر عجيب) . وقد أفلحوا في معالجة الحالات المبكرة ، وأبطاء تطور المرض ، ومعالجة الٱثار الجانبية لتطوراته . وكذلك توصلوا إلى أفضل الطرق في جراحات المايستوما بإزالة الأجزاء المصابة بأقل قدر ممكن من إضعاف العضو المصاب ، وأقل قدر من التشويه .
مدهش حقا الجهود التي تبذلها كتيبة المايستوما ليس فقط في الفحص والعلاج والبحث .. ولك أن تعلم انهم يقودون حملة توعية واسعة في المناطق الموبوءة . ويحاولون بجهود مضنية أن يسدوا الباب أمام المرض ويوقفوا المسببات .
هم أيضا يجرون هنا وهناك يستنفرون جهود الناس ، ويستقطبون مساندة المجتمع لمرضاهم بطرق مبتكرة غاية في الإبداع ، جعلت عاصم البنا وجمال فرفور يسخرون النغم لخدمة هذا المجال الإنساني العظيم . سنعرض لذلك إن شاء الله لاحقا .
لا يملون ولا ييأسون عندما ينفخوا قربة وزارة صحة ولائية مواطنوها يفتك بهم المرض ، فيجدون القربة مقدودة ، ومسؤولو هذه الوزارة سلبيون ، فيكررون طلب التعاون ويبذلون جهدهم رغم ذلك .
قبل أن نغادر محطة كتيبة صدام المايستوما
ارفعوا معي أيديكم بالتحية لرجال بذلوا الكثير في مجال البحث في المايستوما . لا نحصيهم فهم كثر وهم أغنياء عن الذكر والشكر لأنهم أصحاب رسالات . ونقول لبعضهم بلغوا تحيات شعبنا وامتنانه لمن معكم في المجال البروفيسور احمد محمد الحسن والبروفيسور الشيخ محجوب والبروفيسور السر أبو قرون .
لن تصدق العطاء غير المحدود الذي بذلته كتيبة المايستوما الحالية بقيادة البروف أحمد حسن فحل . لكن أنظر في الصور المرفقة ، إنها ليست في الدنمارك أو ألمانيا ، إنها في قرية نائية شرق سنار تصلها بعد ساعات في طريق وعر صيفا ، وفي وحل شديد خريفا . قرية صغيرة أسوارها زرائب من الشوك ، إسمها ود أونسة . قام فيها هذا المركز العلاجي الراقي . لم يسمع الناس عن شيخ عبد العزيز الرجل الصالح الذي يستحق لقب البروفيسور في مكافحة المايستوما .. ولم يسمعوا عن حملة أحذية للأطفال شرق سنار .. أما زرائب الحديد للبقر فهذه أمرها عجب ..
نترك كل ذلك لحديث في الغد إن شاء الله .
محمد أحمد مبروك