عام على رحيلك ..انفجار في ضلوعي

رأي : سودان سوا

بمناسبة مرور عام على رحيل ابي الذي توفي في الاول من ابريل 2021اعيد ماكنت كتبته عن الراحل ..رحمه الله رحمة واسعة ..مع انه لم يرحل ظل معي دائما بكل تفاصيله ..

رحل ابي انفجار في ضلوعي
ودعنا في يوم الجمعة الفائتة وفي شهر شعبان المبارك ابي (محمد علي محمد عثمان ود اميرة .) .وياله من وداع حزين ..
قضي ابي الثلاثة اشهر الاخيرة مريضا ونحن نتنقل به بين المستشفيات ببورت سودان وبالخرطوم .. ولكن ارادة الله غالبة وهو القائل خلقنا الموت والحياة مقدما الموت على الحياة لان الموت هو الحقيقة التي يتناساها الجميع …
مات ابي الرجل الطيب الفاضل الجميل الكريم الجواد المبتسم الودود حلو المعشر جميل الصفات ..
اكرمني الله سبحانه وتعالى بان قضيت معه الثلاثة اشهر الاخيرة من مرضه ورغم قساوة المرض الذي تناوشه من كل جانب كان متحملا صابرا بشوشا يطلق القفشات ويزرع البسمات وسط العائلة بتعليقاته كلما تدب فيه العافية بل يطلقها من بين آلامه واوجاعه ..رحل وحاولت الثبات والايمان بقدر الله القائل وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ..
لقد بشرهم وحدهم ولم يبشر غيرهم وما اصعب الصبر في تلك اللحظات ..
كان الفقد عظيما وكنت انا ساعة الرحيل مثل صخرة ملساء تنبئ بالقوة لكن جوفها فارغ ..شعرت حينها بانفجار في ضلوعي …واميرة بنتك الكبرى تذرف الدمع السخين ولقد وصلت الخرطوم لتقضي معك بعض الوقت ولم تسمع صوتك يناديها … الانفجار يتملك ضلوعي واميمة الصغرى سافرت ولم تكن تريد العودة الى بورت سودان لانها شعرت انك لست بخير وعادت ولم تداعبها وتسالها وتلاطفها ..
ومن قبلهما مزمل اخي كيف تفانى ولم يذق طعم النوم مطلقا يمارضك بحب ويجتهد بكل قوته لتشفى يحملك في صدره يطعمك ويسقيك يمني نفسه ان تشفى ويفارقك الالم ..وابنك الكبير مدثر يدفع بسخاء ملبيا كل الطلبات في زمن اصبح فيه الطب تجارة بائسة يديرها تجار لا اطباء ..
وكذلك حفيدك محمد مدثر الذي ترك عمله مثابرا متابعا مرافقا مضحيا لاجل ان تعود معافى ومعهم ابني محمد الذي استلم الراية مقدما عملا طيبا لك …
كلهم يا ابي ومحمد عثمان ابنك رفيقك بغرفتك ببورت سودان يلبي النداء يقدم جهده مخلصا لك ..
وقبلهم جميعا والدتي وام اولادك فاطمة المراة الوفية المخلصة تتحامل على نفسها وعلى صحتها ترافقك طوال فترة مرضك ..امامنا جميعا تتكئ على عصايتين وتسبقنا وتعلمنا معنى الوفاء والتضحية ..
جميعهم يا ابي حاولوا المستحيل لتشفى زوجتي لبنى التي وجدت نفسها في ليل طويل من المشقة والعنت تخدم بصدق وتعاون بهمة وزوجتي رقية وواحفادك الذين احبوك وتعلقوا بك ..
جميعهم يا ابي كانوا معك ارداوا لك الشفاء ولكن الله سبحانه وتعالى يفعل مايشاء ..

الله يا ابي كنا نأمل ان تعود معافى الى بورت سودان ونحن معك الى المدينة التي قضيت فيها عمرك وحياتك العملية باجتهاد وتفوق ومثابرة وعطاء غير محدود كنا نأمل ذلك ونتوق اليه ..
كان يطمئننا كلما نسأل عن صحته بابتسامته المعهودة قائلا (حديد ) ولكن لكل اجل كتاب وقدر لك ان تدفن بعيدا عنها في ارض الجريف شرق الطاهرة..ولترجع اسرتي بدونك راضية بقدر الله ومشيئته ..
الله يا ابي فقدناك وسنفتقدك وكنا نأمل ان تقضي معنا العمر كله وحين اعود الى بورت سودان تستقبلني بشوق وتحدثني عن السياسة والحكومة وفشلها تسمع بوصولي فتتكئ على عصايتك المتحركة لتسلم وتتسامر وتستفسرني عن حياتي واحوالي …تحدثني عن ذكرياتك في ورشة الحوض وفي الموانئ البحرية بذاكرة قوية وتفاصيل دقيقة ..
لقد تمتعت بتلك الذاكرة الى ان رحلت .
الله يا ابي وجعنا رحيلك واسقمنا التفكير فيك وفي مرضك ..شفاءك ..وكيف هي الاسرة ببورت سودان بعدك ..
نعم قضيت حياة حافلة وكان بيتك ببورت سودان ملاذا لكل زوار المدينة من الاهل والاصدقاء والاحباب والناس البعاد تستضيفهم وتكرم نزلهم دون تذمر كان بيتك محطة للمسافرين للسعودية ولطالبي العلم لانك كنت اب الكل وكبيرنا وعميد الاسرة وركنها الثابت ..

 

من من الاهل لا يعرف محمد علي ود اميرة وكرمه وسخائه الذي يعرفه اهل بورت سودان ..ومن من الاهل لم يبكيه ..
في مرضه الاخير كان يحثنا على تحفيز كل من يقدم عونا هكذا عاش القرش عنده لا يساوي شيئا ينفقه كرما ومحبة وثناء
لقد ترعرعنا في كنفه ووالدتنا فاطمة محيي الدين حفظها الله ترعرعنا وسط عناية فائقة وحياة رغدة لم يبخل علينا ابي بشئ اطعمنا مالذ وطاب وعلمنا احسن تعليم لم يشعرنا قط ان هنالك نقص ما او هنالك ما لايقدر عليه ..كانت كل طلباتنا مجابة وبسرعة فائقة فعشنا الحياة بطولها وعرضها دون عناء او تعب ..
ووالدي رحمه الله لم اشهده غاضبا او لاعنا او مغاضبا كان هاشا باشا ودودا حلو المجالسة يحفظ النسب ويجيد الحديث في السياسة ..وكان عصاميا بدأ حياته من الصفر عاملا بسيطا بورشة الحوض ببورت سودان التي تتبع لهيئة الموانئ البحرية وترقى حتى اصبح مديرها العام ..
حدثني كثيرا عن العمل والتفاني فيه وكيف انهم كانوا يتسلقون الحبال لركوب البواخر الاجنبية التي كانت تصل ورشة الحوض للصيانة في زمان ليس مثل زماننا هذا .
وقال لي ان مدير عام ورشة الحوض في ذلك الزمان ويدعى صالح صابر رحمه الله وهو شخصية معروفة في تاريخ الموانئ كان يفضله على المهندسين الجامعيين ويوكل اليه العمل الصعب لانه كان يعرف قدراته بل ومنحه منزلا بحي ورشة الحوض كان مخصص للمهندسين الجامعيين المنزل الذي تربينا فيه وحينما احتج المهندسون اصر على قراره وذكر لهم انه يؤمن بالعمل والانجاز لا الشهادات الصورية ..
ولوالدي رحمه الله اعمال جليلة ببورت سودان ويكفي انه واحد من الذين تمت الاستعانة بهم لاصلاح خط مياه اربعات بورت سودان حينما انقطعت المياه من المدينة لايام مشهودة وتاريخية وعجز المهندسون عن اصلاحها فقضى ايام بمعية عمال من ذات ورشة الحوض ليحقق الانجاز واعرف انه كان يستدعى للعمل حتى وهو في اجازته السنوية حينما يحتاجون اليه ..
وفي العمل الخاص بعد ان تقاعد عمل مع شركات كبري مثل شركة الشيخ المرحوم ( مصطفى الامين) وشركة الخبير وغيرهما ..
رحل ابي بعد ان قال قولته قبل ايام من رحيله بان ابنائه واحفاده لم يقصروا معه رحل الى دار خير من داره نقيا طاهرا ونسال الله تعالى ان يتقبله قبولا طيبا ويغفر له ويدخله جناته مع الصديقين والشهداء …
امين يارب العالمين ..